زكي نسيبة أول إماراتي يفوز بعضوية أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية التابعة للمعهد الفرنسي

باريس-الوحدة:
مُنِحَ معالي زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة – الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، عضوية أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، ليصبح أول إماراتي ينضم إلى إحدى الأكاديميات التابعة للمعهد الفرنسي بوصفه عضواً أجنبيًا مشاركًا، وتمّ ذلك ضمن مراسيم احتفالية أقيمت اليوم تحت قبة المعهد الفرنسي في باريس.
ويّعدّ انتخاب معاليه لعضوية الأكاديمية تكريمًا لخدمته الحكومية الطويلة والتي أثرى خلالها المؤسسات التعليمية والثقافية في دولة الإمارات، وأحرز العديد من الإنجازات في مجال إدارة الشؤون الثقافية ، لا سيما عبر توثيق الصلات ما بين دولة الإمارات العربية المتحدة، والفرانكوفونية العالمية والمؤسسات التعليمية والثقافية الفرنسية المرموقة.
وقد تمّت مراسم الحفل بقيادة رئيس الأكاديمية، البروفيسور الفخري للفلسفة العربية والدينية ريمي براغ. وهو مُتخصّص في الفكر الإسلامي واليهودي والمسيحي في العصور الوسطى. وقد قام جان روبرت بايت، الأمين الدائم للأكاديمية الجغرافي المعروف عالمياً، بتقديم معالي زكي نسيبة. الأستاذ بايت مُتخصّص في المناظر الطبيعية وفنون الطهي، وهو رئيس الجمعية الجغرافية الفرنسية، ورئيس البعثة الفرنسية للتراث والثقافات الغذائية. وقد شغل سابقاً منصب رئيس جامعة باريس سوربون. كما عمل بصفته الأخيرة مع معاليه لافتتاح فرع جامعة السوربون باريس في أبوظبي.

قدّم الأستاذ بايت معاليه على أنه “مواطن عالمي، سفير لشرق مفتوح على جميع الثقافات، وصانع للسلام، وهي مهمة نقشت في جينات عائلته على مدار أربعة عشر قرناً”. وقد قال أن نسيبة “رجل ذو لباقة وذوق رفيع، وأسلوب مُمتع يجمع الفكاهة والتعاطف”، وأشاد برؤيته الطموحة وولائه للأسرة الحاكمة التي تثق به وزيراً ومستشاراً قيّماً لأبناء الأب المؤسس لدولة الإمارات.
وأشاد البروفيسور بايت بالتأثير الثقافي للإمارات العربية المتحدة وتقاربها الأخير مع إسرائيل والذي يرى فيه الأمل في تقدم السلام والحوار بين الأديان. وأشار إلى أن معاليه هو مؤلف للعديد من المنشورات المُكرّسة للدبلوماسية الثقافية، ومكافحة التطرف والسعي إلى التسامح.
من جانبه قال صاحب السمو الملكي الأردني الأمير الحسن بن طلال، في كلمة وجهها الى الحفل “في القدس، مدينة السلام، رمز التقارب الثقافي والوحدة بين المسلمين والمسيحيين، أصبحت عائلة نسيبة الحارس على مفاتيح كنيسة القيامة منذ عهد صلاح الدين. منذ ذلك الحين، يتولى أحد أعضاء عائلة نسيبة مهمة فتح وإغلاق البوابة يومياً. قدّم والد زكي الراحل، أنور نسيبة، مساهمات عظيمة في المشهد الثقافي و السياسي والاجتماعي في الأردن. وعلى خطى والده، ومن خلال توليه مناصب عليا في مختلف المؤسسات، أسهم زكي في تطور الثقافة، الفنون، والدبلوماسية في الإمارات العربية المتحدة وكذلك في تطوير بعض المبادرات الفنية والثقافية الرئيسية في أبوظبي.
جاء ذلك في كلمة القاها نيابة عن سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس الأكاديمية، البروفيسور الفخري للفلسفة العربية والدينية ريمي براغ .

وقال فيها “إنه يؤمن بالدور الرئيسي الذي يلعبه التعليم والثقافة والمعرفة والابتكار في صقل شخصية الشباب لمواجهة التحديات الحالية. وبانتخاب زكي نسيبة، تواصل كلية العلوم الأخلاقية والسياسية بناء الجسور الثقافية بين فرنسا والعالم العربي وتُعزّز الحوار الثقافي بين الأشخاص المتقاربين فكريًا.
وبعد تنصيبه، ألقى زكي نسيبة خطاباً أمام جمهور الأكاديميين والضيوف المدعوين. ونسب الفضل في انتخابه إلى بيئة دولة الامارات العربية المتحدة وقال عنها: ” البلد الذي كان لي الشرف والنعمة والحظ السعيد أن أخدم فيه غالبية مسيرتي”.
وأضاف: “ينضوي انتخاب الأكاديمية لأولى أعضائها من الخليج العربي على معانٍ تاريخية عظيمة، بالإضافة إلى الشرف والمسؤولية الممنوحة لي كمواطن من الإمارات العربية المتحدة. توصلت بالفعل إلى أن هناك علاقة أساسية ما بين نموي المهني والفكري والبيئة التي عشت بها. لذلك، لا أعزي الفضل في انتخابي إلى نفسي، بل هو شهادة على قيم دولة الإمارات وطموحاتها وقدراتها والأفراد الملهمين الذين قد قابلتهم فيها”.

استخدم نسيبة خطابه لوصف السمات المميزة لتطوير الإمارات العربية المتحدة وما يؤمن أنه كان جوهرياً لنجاح تطورها كدولة، قائلًا: “الإمارات العربية المتحدة هي دولة تعمّقت في التراث الحقيقي للإسلام، لذلك فإنها تعطي الأولوية لكرامة الحياة البشرية. إن رؤية الإمارات العربية الوطنية واستراتيجياتها تنسجم مع السعي للتسامح والتعاطف والرحمة. هي تعرض القيم الإنسانية القوية والأساسية التي تعكس التعاليم الإسلامية. كرّست قيادتها وحكومتها جهودها لضمان حصول كل مواطن من مواطنيها على فرصٍ متكافئة وعلى الأمن والمصادر والسبل الضرورية لعيش حياة صحية وآمنة وهادفة. إضافة إلى ذلك، لطالما توسعت آفاق الإمارات العربية المتحدة إلى ما وراء حدودها لتعزيز الانفتاح والتعاون والأعمال الخيرية الدولية. تؤكد هذه النظرة للعالم أن رفاهيتنا الوطنية مرتبطة بالرفاهية العالمية. وفوق كل هذا، تدعو الأمة إلى التعايش السلمي بين المجتمعات المتنوّعة متعددة الثقافات القاطنة على أراضيها، وبين بلدان وشعوب العالم.
سلّط زكي نسيبة في خطابه الضوء على أوجه التشابه ما بين هذه السمات المميزة للإمارات العربية المتحدة والدوافع المركزية للحياة المهنية والشخصية لسلفه الأستاذ ستاروبينسكي. إذ اشتهر ستاروبينسكي بأنه أحد أعظم نشطاء العمل الإنساني في القرن العشرين، حيث كرّس فكره لتنوير ورعاية الإنسانية التي عرفها على أنها الجهد، “إعطاء الأولوية للاهتمام بالخبرات الإنسانية المتنوعة والمتناقضة. إنها الرغبة في فهم العالم الذي نعيش فيه. إنها الرغبة في إدراك التاريخ الذي نقف عليه في اللحظة الحالية وصياغة أسلوب حياة مبدئي. إنها الدور الأساسي الممنوح للقيم الأخلاقية التي تجعل الإنسان غاية وليس وسيلة، كيانًا حيًا معترفًا به في تفرده وتميزه”.

وقد تتبع نسيبة منجزات دولة الإمارات الإنسانية بقوله: ” كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قائدًا فذاً يحمل قيمًا إنسانية ونظرة عالمية. ونظر إلى الهدف من قيادته على أنه تقليل المعاناة الإنسانية للحدّ الأدنى ورفع الإمكانات الإنسانية لأعلى حد. وعلى الرغم من تشبثه برؤيته، إلا أنه آمن أنه لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تعاون الأفراد الذين يحفزهم إيمان مشترك بإمكانية بناء أمة مزدهرة بما يكفي لضمان رفاهها. وأضاف قائلاً: ” يكمن نجاح الشيخ زايد كقائد تاريخي في فكر متجذر عميق وقوي. لقد مثّل كل ما تحمله كلمة مروءة من معنى: الكرم والشهامة والنبل والخير والتعاطف. قادته هذه الفضائل لتقديم الأولوية للكرامة والتعايش والرفاهية الإنسانية، وتُقدم اليوم لاستقلالنا بل وتجسد كل من مؤسساتنا الوطنية وبنيتنا التحتية وعاداتنا رؤيته الإنسانية العالمية. لقد نسجت بنية وطننا وهوية شعبنا من خلال قيمه.
وأضاف: ” تُقدم دولة الإمارات اليوم للعالم العربي نموذج التطور الإنساني. وإن السياسات الداخلية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتعاملها مع الدول العربية والإسلامية والتزاماتها الأوسع تجاه مؤسسات الحوكمة العالمية تستكمل اليوم نهج قائدها ومؤسسها الأول. وتدرك قيادتنا الحكيمة الحالية أن تطور القدرات الإنسانية وتقديم الأولوية للرفاه الإنساني وتطبيق الأخلاقيات الإنسانية والترويج لها ضرورة مصيرية للحفاظ على مرونة الدولة واستقرارها.

وتحدث بعدها زكي نسيبة عن مستقبل الإمارات وقال: ” منحت الذكرى الخمسون لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة الأمة سببًا لكي تتأمل الأولويات والخطوات الضرورية لضمان نموّنا وازدهارنا في الخمسين عام المقبلة. لا شك أن تقدمنا في بناء الأمة ضمن لنا رأس المال الفكري والثقافي اللازم لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن الاعتماد الكامل على عائدات النفط. إلا أن قيادتنا الحالية شاءت أن تُقدم نظرة شاملة وتوجيهاً لهذا الجهد، واستخلصوا لذلك عشرة مبادئ أهم اثنين منها هما تعزيز وحدة الإمارات وتبنّي اقتصاد متنوع ونشط. وتتبعها ثلاثة مبادئ تُعنى بتحديد الأدوات اللازمة لتحقيق الهدفين الأولين. وهي توجيههم لنا بضرورة تطوير رأس المال البشري وتوسيع حدود امتيازاتنا الرقمية والتكنولوجية والعلمية ومواصلة اتباع سياسة خارجية مبنية على التعاون متعدد الأطراف.
ومضى يقول “لكني أجد المبادئ الخمسة الأخيرة أكثر إبهاراً حيث تقدم إطاراً أخلاقياً لتوجيه هذا التطور الاقتصادي والاجتماعي. فتطلب قيادتنا منا أن نمارس مبادئ حسن الجوار والانفتاح والتسامح والعون الخيري، ويرشدوننا أن ندافع عن السلام والانسجام واستخدام التفاوض والحوار كوسائلٍ لحلّ النزاعات. إنهم يحترمون ويستكملون إرثنا الإنساني. ”

وفي ختام خطابه عبّر معالي زكي نسيبة عن آماله لمستقبله الشخصي بوصفه عضوًا أجنبيًا مشاركًا منتخبًا دائم العضوية في الأكاديمية وقال: أتمنى أني إذ آخذ مكاني بينكم أن نتعاون على إثراء جمعيتنا وأن نُحفّز الحوار والتعاون والاتصال على مستوى الأفراد والمنظمات والدول. أعتقد أن مثل هذه المشاريع التي تتبنى وجهات نظر عالمية متعددة المجالات الثقافية والأخلاقية، ستساعدنا في تفسير العلاقات الدولية المعاصرة. ستوجه مثل هذه المشاريع طاقاتنا الفكرية ومواردنا نحو بناء ثقاقة إنسانية لحياة تستحق العيش.
يأخذ معالي زكي أنور نسيبة مكانه كعضو مشارك أجنبي في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية بالمشاركة مع:
•قداسة البابا الأسبق الكاردينال جوزيف راتسنجر
•جلالة الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا الأسبق
•صاحب السمو الملكي، الأمير تشارلز، أمير ويلز ودوق كورنوول
•صاحب السمو الملكي الأردني الأمير حسن بن طلال
•ستيفين بريير، عضو محكمة العدل العليا في الولايات المتحدة الأمريكية
•جيان كلاود يونكير، رئيس وزراء لوكسمبورج الأسبق ورئيس المفوضية الأوروبية الأسبق
•ماريو مونتي، مفوض المفوضية الأوروبية الأسبق، ورئيس وزراء إيطاليا الأسبق، والرئيس الدائم لجامعة بوكوني في إيطاليا
•فولغانغ شويبله، رئيس البرلمان الفدرالي الألماني الأسبق
•دورا باكوينيس، عمدة أثينا السابقة وأول امرأة تشغل هذا المنصب ووزيرة الخارجية ووزيرة الثقافة السابقة لدى جمهورية اليونان
•إسماعيل قادري، روائي وشاعر وسيناريست وكاتب مسرحي ألباني
يُعدّ المعهد الفرنسي جمعية علمية رائدة تمّ إنشاؤها في عام 1795، ويضم خمس كليات، أحدثها كلية العلوم الأخلاقية والسياسية. أما الكليات الأربع الأخرى فهي: الكلية الفرنسية والتي تُعنى باللغة الفرنسية، كلية النقوش والدراسات الأدبية، كلية العلوم، وكلية الفنون الجميلة. أنشىء المعهد الفرنسي تحت عناية رئيس الجمهورية الفرنسية بهدف المحافظة على التقدم الفكري، ودعم الإنتاج الإبداعي، وحفظ التراث المعماري والفني والفكري.
وتحتل كلية العلوم الأخلاقية والسياسية مكانة رفيعة على المسرح الفكري في فرنسا، وقد كرست جهودها لدراسة الإنسان وحياته المجتمعية وعلاقته بالعالم، معززةً الحوار ما بين التخصصات الأكاديمية التي تُعنى بالعلوم الإنسانية وهي الفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والقانون، والإقتصاد، والسياسة، والتاريخ، والجغرافيا، لتسليط الضوء على قضايا وتحديات العصر الحديث. وتتصف طبيعة عمل أعضائها بالنزاهة، والعقلانية، والشفافية في خدمة أهدافها العملية التي تتمحور حول توجيه الرأي العام والمساهمة في صناعة السياسات والإجراءات المستقبلية.
الأعضاء المشاركون الأجانب هم شخصيات عامة معروفة على المستوى الدولي، ويعرف هؤلاء بمساهماتهم القيمة في الشؤون المدنية وعلمهم الذي أهلهم لتقلد مناصبهم العليا. ويقتصر عدد الأعضاء المشاركين الأجانب على اثني عشر، وقد تم انتخاب معاليه لهذا المنصب من قبل الأكاديمين الفرنسيين بعد وفاة الناقد الأدبي السويسري الشهير البروفيسو جان ستاروبينسكي.