أبوظبي – الوحدة:
دقت دراسة حديثة، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، ناقوس الخطر بسبب تعدد المجاهيل في معادلة الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، التي تجسدت أبرز تداعياتها في اختلال سلاسل الإمداد والموجات التضخمية العنيفة التي ضربت معظم دول العالم، حيث بدأت الاقتصادات الكبرى – التي ارتكزت على معدلات للفائدة قرب الصفرية لسنوات عدة أو عقود – في اتخاذ تدابير التشديد النقدي، واتخذت أسعار الفائدة الأساسية فيها اتجاهاً تصاعدياً، في محاولة لاحتواء عملية التضخم المنفلتة التي بلغت في الولايات المتحدة الأمريكية مستوى لم تشهده منذ أربعين عاماً؛ حيث سجل معدل التضخم السنوي 8.5% نهاية مارس الماضي متخطياً معدل التضخم المستهدف والبالغ 2% بـ 6.5 نقاط مئوية.
صدمة سلبية
وذكرت الدراسة الاقتصادية، الصادرة بعنوان: “التضخم وسلاسل الإمداد .. لمحة من أزمتي كورونا والحرب في أوكرانيا”، والتي أعدها الدكتور مدحت نافع الخبير في الشؤون الاقتصادية والمالية – ذكرت أن المفوضية الأوروبية في توقعاتها لشتاء عام 2022، راجعت وتيرة الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو لتنخفض من 4.3% إلى 4%، خصوصاً إذا تم تمرير الزيادات في تكاليف الإنتاج إلى أسعار البيع، فإن خيارات المستهلك المحدود الدخل ستكون قليلة، وسيتسبب ذلك في إحداث صدمة سلبية في الطلب.
كما أشارت إلى أن الشركات ستواجه خيارات صعبة، بعد أن علّق عدد من شركات الأسمدة نشاطها بسبب ارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي على خلفية الحرب في أوكرانيا، بينما ترى منظمة “أونكتاد” أن تأثير الحرب في أوكرانيا على السلع الغذائية الزراعية مقلق بشكل خاص، إذ تعتمد بعض البلدان بشكل كبير على المنتجات الغذائية الزراعية المستوردة من كلّ من روسيا وأوكرانيا، كذلك يعكس الضغط على أسعار السلع في جانب منه التغيير الجذري في أنماط الاستهلاك منذ بداية وباء كورونا؛ سواء كان ذلك بدافع الضرورة لمعالجة ترتيبات المعيشة والعمل الجديدة في ظل الحظر والإغلاق وتقييد الحركة، أو بسبب اضطرار العديد من القطاعات إلى التوقف عن النشاط.
تضخم أسعار النقل
وبينت الدراسة أنه على مدى العقدين الماضيين، تم بناء المخططات اللوجستية للتجارة العالمية على أساس النقل غير المكلف نسبياً، وقد أعطى مفهوم “تحول الطاقة” لمحة عن بعض الجهود التي يمكن أن تنعكس مستقبلاً على مزيد من الخفض في تكاليف النقل، لكن ميزانيات النقل لعام 2022 اختلفت تماماً عن ميزانيات عام 2019، حيث أدت جائحة “كوفيد-19” إلى ارتفاع أسعار نقل البضائع بشكل ملحوظ، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا كعامل مفاقم من شأنه تعميق الأزمة وإطالة أمدها بمرور الوقت، وقد تجلى تضخم أسعار النقل في كل من الشحن البحري للحاويات والشحن الجوي، ويكتسب حالياً زخماً في تكاليف النقل البري الأوروبي.
وأكدت الدراسة أن الأزمة العالمية الجديدة التي أثارتها الحرب في أوكرانيا تأتي في وقت لايزال فيه الوضع الصحي بعيداً عن الاستقرار، كما أن سلاسل التوريد لم تستعد بعد مستويات السيولة التشغيلية مثلما كانت قبل جائحة كورونا، بينما يتناقص تكدّس سفن الحاويات في الموانئ، إلا أنه لم يختفِ تماماً، ولكن من المبكر جداً الحديث عن سياق ما بعد الجائحة.
ارتفاع أسعار الطاقة
وحذرت الدراسة من أن الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة (النفط والغاز) قد تحوّل الاستثمار مرة أخرى إلى الصناعات الاستخراجية وتوليد الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري؛ ما يهدد اتجاهات التحول الإيجابية نحو الطاقة المتجددة التي كانت قد سجّلت تقدماً خلال السنوات الخمس إلى العشر الماضية، حيث إن الارتفاع الكبير في الأسعار سيؤدي إلى نتيجة عكسية، نتيجة لتحقيق المستثمرين في قطاعات الطاقة الأحفورية إيرادات استثنائية.