الإعلام الياباني رغم قوته وتعدد وسائطه وكفاءة تلك الوسائط وانتشارها ، إلا أنها تُعد من أقل وسائل الإعلام تأثيرا على المستوى الدولي. ويعزي ذلك دون شك للغة اليابانية التي لم تجد حظها في الانتشار خارج اليابان ، وتركيز وسائل الإعلام الشديد على القضايا الداخلية. هنالك الكثير من الأفكار والطروحات التي تذخر بها أجهزة الإعلام اليابانية لا تجد طريقها إلى العالم الخارجي ، رغم ارتباط تلك الأفكار والآراء بمسائل تهم المجتمعات الأخرى.
وبينما تحرص وسائل الإعلام اليابانية إلى نقل كل شيء عن العالم الخارجي إلى اليابانيين، إلا أنها لا تبذل شيئاً نحو نقل ما يحدث أو يثار في اليابان إلى العالم الخارجي، الشيء الذي يحبس الفكر والرأي الياباني في نطاق الجزر اليابانية ويحول دون تلاقيه مع الأفكار الأخرى أحياناً.
تصدر في اليابان (124) صحيفة يومية ، منها صحف قومية يتم إصدارها وتوزيعها في جميع أنحاء اليابان مثل صحيفة: “يومي أوري”، “أساهي” و “ماينشي”. بينما هنالك صحف إقليمية يجري إصدارها وتوزيعها في بعض أنحاء اليابان، وصحف أخرى محلية يتم إصدارها وتوزيعها في نطاق المحافظات.
وتجدر الإشارة أن جميع الصحف اليابانية تصدر صباحاً ومساءً. كما أن هنالك قلة من الصحف تصدر باللغة الإنجليزية وأخرى يتم إصدارها في بعض دول آسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكلمة “شيمبون” في اللغة اليابانية تعني صحيفة، وترد عادة مع اسم الصحيفة مثل “أساهي شيمبون”. وعلينا عند الحديث عن أسماء الصحف اليابانية باللغة العربية أن نكتفي بذكر كلمة صحيفة مرة واحدة مثل “صحيفة أساهي” و ليس “صحيفة أساهي شيمبون” كما يجري الآن في وسائل الإعلام العربية.
توزع الصحف اليابانية يومياً (72) مليون نسخة ، ويتم توزيع 93% منها مباشرة على المشتركين في منازلهم. وتغطي مبيعات الصحف اليومية (50.8%) من إيراداتها. بينما تشكل عائدات الإعلانات (34.9%) من الإيرادات. وتعتبر اليابان أكثر دول العالم توزيعاً للصحف اليومية.
ـ الإذاعة والتلفزيون:
تقوم هيئة الإذاعة اليابانية (NHK) وعدد من المحطات التجارية بتقديم خدمات الإذاعة والتلفزة. هيئة الإذاعة اليابانية مؤسسة حكومية ويتم تمويلها من قِبل الدولة ، أما المحطات التجارية فيتم تمويلها من عائدات الإعلانات التجارية. توجد في اليابان (132) محطة إرسال تلفزيوني و (101) محطة إذاعة بجانب الدوائر التلفزيونية المغلقة التي بدأت تنتشر سريعاً. وتتزود وسائل الإعلام اليابانية بالأخبار والمعلومات من وكالات الأنباء العالمية ووكالتين يابانيتين هما “كيودو” و “إيجي” اللتان تأسستا في نوفمبر 1945.
تشغل الإعلانات التجارية حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام اليابانية الرئيسة وهي الصحف ، والمجلات ، الإذاعة ، والتلفزيون ، الإنترنت. تقدر مصروفات الإعلانات عبر الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون (6110) بليون يناً في العام ، بينما تضاعفت مصروفات الإعلان عبر الإنترنت خلال عام 2015 لتبلغ (17) بليون يناً ، رغم حداثة هذه الوسيلة الإعلانية.
الفن والفنانون يشغلون حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام اليابانية. فالفنان في اليابان سلعة رائجة في البرامج والإعلانات الترويجية ذات العائدات المجزية. الفنان – سواءً كان مطرباً أو ممثلاً أو عازفاً – يبذل الجهد ليبلغ مرحلة من الشهرة ينتقل بعدها للعمل في مجال الإعلانات التجارية والظهور في البرامج الترويجية. فالفن ليس هدفاً لدى معظم الفنانين، بل وسيلة للشهرة التي تفتح له أبواب الإعلانات التجارية التي تشكل الجزء الأكبر من مساحة النشاط الإعلامي ذات العائدات المجزية ، خاصة في وسائل الإعلام الخاصة التي تعتمد على الإعلانات كمصدر لإيراداتها.
لليابانيين شأن في مختلف أنواع الفنون كالغناء ، الموسيقى ، السينما ، المسرح ، الرسم وترتيب الزهور وغيرها. ولكن ظل الفن الياباني – مثل غيره من مقومات الثقافة اليابانية – قاصراً على النطاق المحلي. فإذا كانت بعض الأعمال السينمائية الكبيرة قد خرجت مترجمة إلى العالم الخارجي، إلا أن هنالك الكثير من الأعمال القيمة والإبداعات الفنية مازالت محاصرة باللغة داخل الحدود اليابانية. اليابانيون – كما سبق أن أشرنا- حريصون على نقل الثقافات الأجنبية إلى بلادهم ، إلا أنهم لا يبذلون أي جهداً لتصدير الثقافة اليابانية. وربما كان ذلك عائداً لانشغالهم بتصدير المنتجات الصناعية الشيء الذي لم يترك لهم مجالاً للعناية بنشر ثقافتهم خارج اليابان. لليابانيين آلاتهم الموسيقية التقليدية وأغانيهم الشعبية وألحانهم الهادئة المتنوعة بتنوع المواسم والفصول والمناسبات.
هنالك أغاني شعبية قديمة يحفظها اليابانيون وينظمون لها مسابقات سنوية على مستوى الإمبراطورية ويخصصون للفائزين فيها جوائز قيمة ، لتأكيد المحافظة على التراث الشعبي. لقد بدأ الفن الياباني – وخاصة الغناء والموسيقى – يتأثر كثيراً بالنمط الغربي للموسيقى والألحان الصاخبة ذات الإيقاع السريع. ولكن هنالك حدوداً لظاهرة التأثر بالنمط الغربي. المطربون الشباب عادة ، يبدءون حياتهم الفنية بالأغاني الغربية وألحانها الراقصة ، القائمة على الحركة والإثارة. ويواصل المطربون في هذا النوع من الطـرب حتى يبلغ الواحد منهم الخامسة والعشرين من عمره ، عندئذٍ يهجـرالمطرب هذا النوع من الغناء ويعود إلى الأغاني اليابانية التقليدية الهادئة المعروفة بـ”الأنكا”. التي يفضلها اليابانيون ويجيدون أداءها. الغناء عند اليابانيين عادة يومية يمارسها الجميع من خلال صالات الغناء التي تنتشر في جميع أنحاء اليابان، فيما يعرف بصالات “الكاراوكي”. و “الكاراوكي” جهاز تسجيل إلكتروني لتشغيل شرائط الموسيقى مع حجب الكلمات وعرض الألحان على شاشة صغيرة تساعد المرء على متابعة اللحن والغناء معه. وهنالك صالات عامة يتعاقب فيها الأفراد على الغناء أمام عامة الحضور، بينما هنالك غرف خاصة لمجموعات صغيرة أو الأفراد. وقد انتشرت أجهزة “الكاراوكي” الآن في المنازل الخاصة وكذلك في الكثير من دول العالم.
رغم وجود معاهد ومدارس متخصصة لتعليم الموسيقى والغناء والرقص ومختلف أنواع الفنون، هنالك ميادين عامة معروفة في اليابان تُعد المدرسة الحقيقية التي يتخرج فيها المطربون الشباب. ومن أهم تلك الميادين ميدان “هاراجكو” الشهير الواقع في منطقة “شيبويا” وسط العاصمة طوكيو ، وبجوار معبد ميجي ـ أكبر معابد الشنتو في طوكيو ، وعلى مقربة من هيئة الإذاعة اليابانية.
ويتم إغلاق الطرق المؤدية إلى هذا الميدان أيام العطلات الرسمية حيث يتجمع الشباب والسياح. وتأتي مختلف الفرق الموسيقية الناشئة بأزيائها الملونة لتنصب أجهزتها ، وتبدأ الغناء والرقص كلٍ في ركنه الخاص ، ويحضر الجمهور لمشاهدة مثل هذه العروض. ومن خلال تجمع الجمهور حول فرقة معينة وتشجيعهم لها تكتسب تلك الفرقة الثقة بنفسها وتسعى على تطوير نفسها. وفي ضوء النجاح الذي يلاقيه الفنان أو الفرقة الموسيقية في هذا الميدان ينتقل الفنان إلى المسابقات التي تنظمها وسائل الإعلام ليشق طريقه إلى عالم الفن. وتقوم محطة التلفزيون القومية التي تقع في نفس ميدان “هراجكو” – أحياناً – بتغطية الأنشطة الشبابية أو تنظيم حفلات مفتوحة في ذات الموقع لمساعدة المبدعين وتشجيعهم على العطاء.
يتراوح عدد الأفلام السينمائية الجديدة المنتجة في اليابان سنوياً ما بين (500) و (300) ، بينما يبلغ عدد الأعمال الموسيقية الصادرة سنوياً (15700) عملاً ، (40.9%) منها أغاني يابانية حديثة و (30.9%) أغاني أجنبية و (15.5%) أغاني يابانية تراثية و (13.7%) أعمالاً أخرى.
*الأستاذ الدكتور محمد الأمين البشرى محجوب
باحث في الشؤون اليابانية