الخلفية الدينية لليابانيين وثقافات مجتمعاتهم عند مجيء الدعوة الإسلامية
بقلم / الدكتور محمد الأمين البشرى*
يعرف اليابانيون عدداً من الأديان والمعتقدات منها:
أولاً: الشنتوية : وهي الديانة التي نشأت أصلاً في اليابان وتقوم على قوانين الطبيعة وعبادة الأسلاف. وتنسب هذه الديانة إلى ما يعرف بآلهة الشمس “أماتيراسو أوكامي” والتي ينسب لها أول أباطرة اليابان “جيمْو” الذي جاء بعد ستة أجيال من “أماتيراسو أوكامي” ، وهذا ما جعل “الشنتوية” جزءاً أصيلاً في نظام الأسرة الإمبراطورية، ليصبح الإمبراطور راعيها وإمامها. في عام 1868 ، ومع النهضة التي قادها الإمبراطور “ميجي” أصبحت الشنتوية الديانة الرسمية للدولة مما دعم سلطة العائلة الإمبراطورية.
ثانياً: الديانة البوذية: وهي من أقوى الديانات المعروفة في أواسط آسيا وشرقها، وقد أوجدها “قواتاما بوذا” في الهند في القرن الخامس قبل الميلاد. وصلت هذه الديانة إلى اليابان عن طريق الصين وكوريا في القرن السادس للميلاد. وفي منتصف القرن السابع اعتُمدت البوذية كديانة رسمية لليابان، وتبع ذلك انتشار وتطور البوذية وانقسامها إلى عدة مذاهب.
في عصر “كاماكورا” (1192-1333) حظرت حكومة توكوقاوا المسيحية واحتضنت البوذية كديانة رسمية ووضعت معابدها تحت إشرافها. وكانت “البوذية” في البدء في منافسة مع “الشنتوية” إلا أن الترابط والتداخل بين الديانتين كان سمة بارزة.
وفي عهد ميجي ، ورغم الفصل الذي تم بين البوذية والشنتوية لتصبح الأخيرة ديانة الأسرة الإمبراطورية ، ظل اليابانيون يدينون بكلتا الديانتين. فالياباني يذهب إلى الصلاة في معابد الشنتو كما يذهب إلى معابد البوذية.وبناءً على الدستور الياباني الصادر بعد الحرب العالمية الثانية ، أصبحت الحكومة غير معنية بممارسة الطقوس الدينية، أي تم الفصل بين الدين والدولة بحكم الدستور. ولكل ياباني بصفته الشخصية أن يمارس ما يشاء من الطقوس الدينية.
ثالثاً: المسيحية: دخلت المسيحية إلى اليابان لأول مرة في القرن السادس عشر بواسطة مبشرين من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وقد بذلت الكنيسة جهوداً كبيرة لسد الفراغ الديني الذي يعيشه اليابانيون ، إلا أنها لم تحقق ما كانت ترمي إليه حتى الآن.
رابعاً: ديانات أخرى : ومنها الإسلام واليهودية وغيرها. وتعتبر هذه الديانات حديثة على اليابانيين ، وقد أعاق انتشارها أسباب عديدة، أهمها أنها جاءت إلى اليابان في عصر الازدهار الاقتصادي والصناعي وانشغال المجتمع بأمور مادية بحتة. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى الآتي:
• يبلغ عدد اليابانيين المتمسكين بالديانة الشنتوية (106.2) مليوناً ولها (81) ألف معبد.
• يبلغ عدد اليابانيين الملتزمين بالديانة البوذية (95.8) مليوناً. ولديها (77) ألف معبد.
• يبلغ عدد اليابانيين المسيحيين (1.8) مليوناً ولديهم (6700) كنيسة.
• يبلغ عدد الملتزمين بالديانات الأخرى (10) ملايين ، ومن بينهم المسلمون ، الذين يبلغ عددهم (5000) وفقاً للإحصاءات الحكومية.
ويلاحظ من الأرقام أنها أكثر من عدد السكان البالغ (127) مليون نسمة ، ويُعزي ذلك للتداخل والجمع بين بعض الأديان ، الشيء الذي يعكس المفهوم الديني الخاص لدى اليابانيين. فالياباني يؤمن بالله وبأن هنالك قوة خفية واحدة ، إلا أنه لم يجد دعوة أو رسالة سماوية تتحدث بلغته وتؤثر فيه روحياً وتقنعه بالمنطق والفطرة التي نشأ عليها ، فاللغة في اليابان هي الأداة السحرية التي تخترق كل الحواجز.
لذا نجد أن “الشنتوية” التي تقوم على قصص خرافية هي الأكثر تأثيراً على قلوب اليابانيين لأنها كتبت بلغتهم وترسخت في آدابهم وأشعارهم منذ القِدم.
قصدنا بهذه المقدمة توضيح الخلفية الدينية لليابانيين والثقافات التي كانت سائدة في المجتمعات اليابانية عند مجيء الدعوة الإسلامية إليها. فمتى دخل الإسلام إلى اليابان ومن هم أول من اعتنقوا الإسلام، وهل حققت أنشطة الدعوة الإسلامية وجهود الدول الإسلامية أهدافها ؟
الإسلام في اليابان
لا توجد مراجع تاريخية توثق تاريخ دخول الإسلام إلى اليابان كما هو الحال بالنسبة للديانات الأخرى كالشنتوية ، البوذية والمسيحية. وتشير الأبحاث القليلة المتوفرة إلى أن اليابان حديث عهد بالإسلام باعتباره من الديانات الجديدة التي عرفها اليابانيون بعد الانفتاح على العالم الخارجي في عصر الإمبراطور “ميجي” أو عصر النهضة الذي بدأ عام 1868. ليس في المراجع اليابانية أو العربية أو الغربية ما يشير إلى أية علاقة لليابانيين بالإسلام قبل عصر الإمبراطور “ميجي”. في عصر “ميجي” وفي حوالي ، 1877 بدأ المثقفون اليابانيون التعرف على الإسلام كديانة من خلال المؤلفات المترجمة عن اللغات الغربية ومنها كتب السيرة والفقه.
وكانت معرفة المثقفين معرفة عامة كتاريخ أو آداب ، وليس كعقيدة يؤمنون بها. يتفق المؤرخون اليابانيون والمسلمون أن أول من أسلم من اليابانيين هو “تورا جيرو يامادا” ، ويكون “يامادا” بذلك أول من نقل الإسلام إلى اليابان كدين. ولإسلام “يامادا” قصة ذات مدلول، قد تكون أكثر أهمية. وترجع القصة إلى رحلة قام بها الأمير “كوماتسو” أحد أقرباء الإمبراطور “ميجي” إلى تركيا ، حيث التقى السلطان عبد الحميد الثاني ، الذي قلده أعلى النياشين. أعقبت تلك الزيارة التي فتحت العلاقة بين الإمبراطورية اليابانية والإمبراطورية التركية الزيارة الودية التي قامت بها “الفرقاطة” التركية آل طغرل إلى اليابان في عام 1890 ، وكانت بقيادة المشير عثمان باشا ومعه (609) من الضباط. مكثت “الفرقاطة” ثلاثة أشهر في طوكيو، قدم المشير عثمان خلالها الهدايا والنياشين للإمبراطور “ميجي”. وفي طريق عودة “الفرقاطة” إلى تركيا ، هب عليها إعصار شديد أدى إلى تحطمها وغرق (500) من ركابها ، وهي ما زالت في الشواطئ اليابانية. وأحدثت الكارثة هزة لدى اليابانيين والأتراك ، إلا أنها كانت بداية علاقة إسلامية بين الجانبين. وقد دفع ذلك “توراجيرو يامادا” البالغ من العمر (24)عاماً إلى القيام بحملة لجمع تبرعات لصالح أسر ضحايا السفينة وقام بحملها إلى تركيا في عام 1892 ، وقد استقبله السلطان عبد الحميد الثاني ومنحه النياشين، وطلب منه البقاء في اسطنبول لتدريس اللغة اليابانية لمجموعة من الضباط العثمانيين منهم مصطفى كمال باشا الذي أصبح رئيساً لجمهورية تركيا فيما بعد. وقد أكد ذلك مصطفى كمال أتاتورك بنفسه فيما بعد. قَبِل “يامادا” دعوة السلطان عبد الحميد الثاني ومكث عامين في تركيا يُدرس اللغة اليابانية ، ويتعلم اللغة التركية والدين الإسلامي ومن ثم اعتنق الإسلام. وبهذا يمكن وصفه انه أول ياباني يعتنق الإسلام.
وتبع إسلام “يامادا” كل من الحاج “عمر مكاوا” الذي كان أول من شد الرحال إلى مكة في عام 1909 ، وكذلك “أحمد أريجا” الذي كان مسيحياً، ثم زار الهند ودخل أحد المساجد وأعلن إسـلامه في عام 1909. وقد أسهم هذان الأخيران في إثراء المكتبة اليابانية الإسلامية بكتاباتهما عن الإسلام وترجمة بعض معاني القرآن الكريم.
ومن أوائل المسلمين اليابانيين الشيخ “عمر ميتا” الذي قام بترجمة معاني القرآن و “حسن هاتانو” وزوجته ووالد زوجته، الذين أسلموا على يد “مولــوى بركة الله” الهندي. وتولي حسن هاتانو إصدار جريدة الإسلام والجندي، كما أصدر مجلة الأخوة الإسلامية في عام 1918م. وهكذا تتابعت قوائم المسلمين اليابانيين في العصر الحديث والتي تضم البروفيسور كوسوجى ، البروفيسور هاناكا إبراهيم أوكوبو ، أوناي ، ايسوزاكى ، أومورى ، خالد هيجوتشي ، توكا كوماتسو ، يحي اندو ، محمد سينوهى ، شبرو تاناكا ، خالد كيبا ، السفير كونيو كاتاكورا وزوجته الدكتورة موتوكورة والأستاذ عبد المنير واتنابي والأستاذ أشرف ياسوى. وهنالك عدد من اليابانيين غير المسلمين الذين قاموا بدراسة الإسلام وتدريسه وترجمة العديد من أمهات كتب الفقه الإسـلامي وكان لهم الفضل في نشر الإسلام وسط طلابهم الشباب كثقافة وتاريخ.
وكانت للمؤسسات التعليمية اليابانية دوراً في تعـريف اليابانيين بالدين الإسلامي ، من خلال السماح بتدريس التاريخ الإسلامي واللغة العربية كلغة للقرآن الكريم. وتأتي في مقدمة تلك المؤسسات جامعة طوكيو ، جامعة أوساكا ، جامعة كيو ، جامعة واسيدا ، ومعهد اللغات الآسيوية والأفريقية في ميتاكا.
ـ دور المهاجرين:
سبق أن تحدثنا عن دور أوائل اليابانيين الذين دخلوا الإسلام وقاموا بالدعوة. ونعود مرة أخرى إلى التاريخ لعلنا نجد رصداً لدور المهاجرين المسلمين في نشر الدعوة الإسلامية في اليابان. تتبع الدكتور صالح السمرائي حركة أوائل المسلمين الذين وصلوا اليابان فأشار إلى قصة مؤتمر للأديان نظم في عام 1906م ، بحجة أن اليابانيين يريدون التعرف على مختلف الأديان السماوية ليختاروا منها ما يناسبهم ، وتضمنت إشارته أن الأزهري السيد على أحمد الجرجاوى مؤلف كتاب (الرحلة اليابانية) هو أول من وصل إلى اليابان للمشاركة في المؤتمر المذكور. إلا أن السمرائي وبعد دراسات مطولة لم يتوصل إلى ما يثبت انعقاد مثل هذا المؤتمر كما أثبت ( أو شكك ) في أن يكون الشيخ الجرجاوي قام بزيارة اليابان ، ومكث شهرا دخل الإسلام خلاله (12) ألف ياباني كما جاء في كتاب الجرجاوى. وتوصل السمرائي في النهاية إلى الاعتقاد بأن الجرجاوى ربما كان قد وصل إلى تايوان ، واعتقد أنه وصل إلى اليابان ، وأنه كان من المعقول أن يجد مثل هذا العدد من المسلمين في تايوان آنذاك. ويرجح السمرائي أن أحمد فضلي (مصري) كان من أوائل الذين وصلوا اليابان ولعب دورا كبيرا في تأصيل العلاقات اليابانية الإسلامية وألف كتابه ( سر تقدم اليابان ) في عام 1910.
قد لا يكون دور الأفراد مؤثرا في نشر ديانة كالإسلام في مجتمع كالمجتمع الياباني كان غارقا في ديانتين (الشنتوية والبوذية) منذ أكثر من ألف عام. ولكن ربما كان دور المهاجرين من الجاليات التتارية التركية التي استقرت في اليابان منذ العشرينات ، والتجار الهنود الذين قدموا إلى اليابان في أواخر القرن التاسع عشر أثرا ملموسا على نشر الإسلام عبر سنوات طويلة.
أسس المسلمون الهنود مسجد كوبي كأول مسجد في اليابان عام 1935. كما أسس تربان على وعبد الرشيد إبراهيم بمساعدة الجالية التركية مسجد طوكيو عام 1938. ومن ثم أخذت الدعوة طريقها عبر الجمعيات والمراكز الإسلامية. عندما وصل الأتراك التتار المهاجرون من روسيا إلى اليابان التي كانت في عداء مع روسيا الشيوعية آنذاك، أستقر حوالي (600) منهم في منطقة ناقويا و (400) في منطقة طوكيو. وكان على راس المجموعة التي استقرت في طوكيو محمد عبد الحي قربان على الذي كون علاقة طيبة بالجيش الياباني في منشوريا وهو في الطريق فارا من روسيا.
وعندما وصل قربان على إلى اليابان عام 1920 قدم له الجيش الياباني وظيفة مدرس لغة تركية في رئاسة الجيش. وقد انتهز قربان على الفرصة ليعمل على إقناع كبار المسئولين في الحكومة والقطاع الخاص بضرورة تقوية العلاقات اليابانية مع العالم الإسلامي. وبمساعدة المسئولين اليابانيين تمكن قربان على في عام 1931 من فتح مكتب للمسلمين الأتراك في منطقة (شيبويا) ليكون مكانا لتعليم أبناء الأتراك ومقراً لنشر المطبوعات الإسلامية. أصدر قربان على مجلة أطلق عليها اسم (ياني يابون) كانت لها تأثيرا كبيرا في جذب عطف القيادات اليابانية السياسية منها والاقتصادية. كانت العسكرية اليابانية في قمة عنفوانها وقتذاك ، وكانت تسعي لفتح علاقات وطيدة مع الدول الإسلامية.
كان قربان على يفكر كثيرا في إنشاء مسجد ، وقد نجحت محاولاته عندما تبرع له (كاميسابورو ياماشتا ) بقطعة أرض مساحتها (1655) متراً مربعاً. وعندما بدأ يبحث عن المال لبناء المسجد تبرع له رئيس بنك متسوبيشي من ماله الخاص بمبلغ (20) ألف ين ياباني. ثم أسهم بعد ذلك كل من شركات متسوي ، متسوبشي وسوميتومو بمبالغ وصلت في مجملها إلى (120) ألف ين. وشرع قربان على في بناء المسجد في أكتوبر عام 1937 بواسطة شركة موروتا للبناء.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حظرت الحكومة اليابانية الجمعيات والأنشطة التي كانت تدعمها الحكومة العسكرية السابقة ، ورفعت يدها عن دعم أية جهة دينية. لذا أصبح العمل الإسلامي بعد ذلك نشاطا خاصا تضطلع به الجمعيات والروابط الأهلية.
في ناقويا تم بناء مسجد عام 1938 بواسطة التتار الأتراك بقيـادة (أوفابورن دميربك) الذي عاش في ناقويا في الفترة بين 1817 و 1977، إلا أن المسجد قد هدم في عام 1945 بسبب الغارات الجوية. كما تم تأسيس مسجد في أوساكا بواسطة المسلمين اليابانيين عام 1977 كأول مسجد يتعهد به المسلمون اليابانيون بأنفسهم ، وكان إمام هذا المسجد هو الحاج محمد مصطفى كومارو.
لقد أسهمت الدول العربية والإسلامية في الدعوة بإيفاد أساتذة يتولون تعليم اللغة العربية والقرآن ، وفتحت مقار سفاراتها لإقامة الصلوات ، وتعليم اللغة العربية وتعليم أبناء المسلمين. ومن أبرز تلك الإسهامات نورد ما يلي:
• بين الحربين العالميتين الأولي والثانية شكلت جمعيات ثقافية تضم يابانيين مسلمين وغير مسلمين لتعمل في نشر الثقافة الإسلامية وإنشاء تفاهم وتعاون بين اليابان والدول الإسلامية، ربما كان ذلك لأهداف سياسية واقتصادية في المقام الأول إلا أنه حقق أهدافا دينية أيضا.
• أثناء الحرب العالمية الثانية أعتنق عدد من اليابانيين الإسلام في الصين وإندونيسيا وغيرها من دول أسيا. وبعد انتهاء الحرب عاد أولئك النفر إلى اليابان وأسسوا أول جمعية إسلامية تسمي (جمعية مسلمي اليابان) في عام 1953. وقامت الجمعية بتعزيز الوجود الإسلامي في اليابان بتبادل الزيارات مع الدول الإسلامية وايفاذ الطلاب إلى الأزهر للدراسة. وكان من قادة هذه الجمعية صادق ايمازومى وعمر بوكيبي وعبد الكريم سايتو والحاج عمر ميتا الذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية ، والذي تم نشره بدعم من الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود.
• جمعية الطلبة المسلمين ، التي أسهم في إنشائها صالـح السمرائي ، عبد الرحمن صديقي ، أحمد سوزوكى ورحمة شاه وذلك في العام 1961م. وقد جرى التنسيق بين جمعية الطلبة المسلمين وجمعية مسلمي اليابان عن طريق اختيار لجنة مشتركة كلفت بالعمل في مجال نشر المطبوعات وترجمة الكتب الإسلامية وإيفاد الطلاب للدراسة في الدول العربية وكان من ابرز صور تعاون الجمعيتين شراء مقبرة للمسلمين فى مقاطعة ياماناشي.
في عام 1966 تم تأسيس المركز الإسلامي الدولي الذي تولي المهام التي كانت تقوم بها اللجنة المشتركة لجمعية الطلبة المسلمين وجمعية مسلمي اليابان. وفي عام 1973 أوفد الملك فيصل بن عبد العزيز كل من صالح السمرائي ، وموسى محمد عمر وأسعد قربان على وعبد الرحمن صديقي للعمل في اليابان كدعاة متفرغين، وذلك بعد تخرجهم من الجامعات اليابانية. سعى المذكورون مع زملائهم اليابانيين على إعادة تشكيل المركز الإسلامي الدولي تحت مسمى المركز الإسلامي في اليابان.
وقد بدأت الدول العربية والإسلامية العمل على مساعدة المركز الإسلامي بالتبرعات والهبات وكان أهمها منحة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود التي وفرت قطعة الأرض التي أنشئ عليها مقر المركز الإسلامي بدعم من الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود.
في عام 1982 قررت جامعة الأمام محمد بن سعود إنشاء المعهد العربي الإسلامي ، وأوفد ثلاثة من أساتذتها برئاسة الشيخ ناصر عبد الرحمن السعيد الذي عمل بالتعاون مع المسئولين في المركز الإسلامي ومجموعة من الطلاب المسلمين منهم جبريل إبراهيم وعبد العزيز التركستان وكاتب هذه السطور على إيجار وتأسيس مقر للمعهد العربي الإسلامي في منطقة (يويوقى) بطوكيو. وقد تم افتتاحه في عام 1983 بحضور مدير جامعة الإمام محمد بن سعود والدكتور عبد المحسن التركي. وفى عام 1986 عندما تقرر هدم مسجد طوكيو بهدف إعادة بنائه أصبح المعهد العربي الإسلامي مسجدا ومقراً للدراسة. إلا أن ارتفاع الإيجارات في طوكيو جعل من الصعب مواصلة العمل في المباني المؤجرة وانتقل المعهد العربي والمسجد المؤقت إلى مبني سفارة المملكة العربية السعودية ، التي أخلت موقعها لهذا الهدف الإسلامي لتبحث عن مقر لها بالإيجار.
وفى عام 1999 قامت المملكة العربية السعودية بتشييد مقر جديد للمعهد العربي الإسلامي والمسجد في مكان سفارتها. كما تم في عام 1998 افتتاح مسجد طوكيو الجديد في مقره القديم في ( يويوقى أو يهارا) وذلك بدعم من الحكومة التركية.
في تقديرنا أن انتشار الإسلام في اليابان امتد إلى جميع أرجاء الإمبراطورية في السنوات الأخيرة وبسرعة فائقة. ولا نعني بالانتشار اعتناق إعداد كبيرة من اليابانيين للإسلام ، ولكن نعني وجود إعداد كبيرة من المسلمين غير اليابانيين وتوفر الثقافة الإسلامية. ويعزى ذلك لانفتاح اليابان على العالم الخارجي وخاصة الدول الإسلامية الأسيوية والدول العربية بحكم المصالح الاقتصادية المشتركة.
وقد بدأ اليابان السماح بالعمالة الوافدة منذ التسعينات في حدود ضيقة. كل ذلك أدي إلى توفر المساجد والمعاهد الإسلامية ومدارس أبناء المسلمين ، وكذلك توفر الأطعمة الإسلامية وظهور الزي الإسلامي الذي أصبح مألوفاً في الأماكن العامة. وأكثر ما يدعم انتشار الإسلام في اليابان رحابة صدر الحكومة اليابانية والتزامها بحماية حقوق الأقليات واحترام الإنسان ومعتقداته الخاصة. إن الحرية التي يتمتع بها المسلمون في اليابان لا تتوفر حتى في الدول الإسلامية. ولكن لهذه الحرية مخاطرها وانعكاساتها على الدعوة الإسلامية. يشير صالح السمرائي أنه رصد في التسعينات وجود (20) تجمعاً إسلامياً يابانياً و (40) تجمعاً إسلامياً للأجانب المقيمين في اليابان. وفى تقديرنا أن كثرة الجمعيات وتعددها وتشتتها يفهم لدي اليابانيين وكأنها نوع من الخلافات. وقد تلاحظ أن الأبحاث والدراسات الأكاديمية المتداولة داخل الجامعات تهتم كثيرا في تنظير مثل هذه الانقسامات. فاليابانيون معروفون بالدقة والأرقام والمبررات ، لذا يأخذون الأمور بشكل مختلف ، فعندما يكتبون عن الإسلام يهتمون كثيراً بالتمييز بين السنة والشيعة والتفريق بين المذاهب الأربعة وكأنها معتقدات مختلفة ، كما ينظرون إلى المسلمين من زاوية المذاهب الدينية التي ينتمون إليها.
في تقديرنا أن دخول اليابانيين في الإسلام يسير بصورة بطيئة للغاية ، فالأسماء الإسلامية اليابانية الكبيرة آخذة في الانقراض بسبب كبر السن وعامل الوفاة ، دون أن تحل محلها أسماء جديدة وشخصيات قوية. لا يوجد اليوم في الساحة الإسلامية اليابانية رجال أمثال الشيخ عمر ميتا وعبد الكريم ساتو وعبد المنير واطنابي وعمر ياماكاوا. المهتمون بالإسلام من المثقفين اليابانيين الشباب يبذلون جهودا علمية مقدرة في الجامعات ووزارة الخارجية على سبيل الواجب المهني وليس كاعتقاد ديني أو شعائر يؤمنون بها. وجاءت أحداث الحادي عشرمن شهر سبتمبر الشهيرة بقرارات دولية تحظر تمويل أنشطة الدعوة الإسلامية التي كانت تتكفل بها بعض الدول الإسلامية. فتراجع دور المركز الإسلامي وتعطلت جهود دعوة اليابانيين إلى الإسلام. كما أصبح اليابانيون أكثر خوفاً من المسلمين بسبب قضايا الإرهاب الدولي والقرارات والإتفاقيات الدولية التي قيدت حركة الدعوة والإفاق عليها تحسباً من إنحرافها تجاه دعم الإرهابيين.
*الأستاذ الدكتور محمد الأمين البشرى محجوب
باحث في الشؤون اليابانية