أخبار رئيسية

دبا الحصن .. زمردة فوق شاطئ الشارقة وقصيدة في ديوانها

حاكم الشارقة أطلق عليها المدينة الفاضلة

دبا الحصن : عمر محمد شريقي
—————————
ترى بماذا أصف دبا الحصن ؟ هل أعتبرها مثلاً زمردة نفيسة فوق شاطئ الشارقة ؟ أم أتخيلها قصيدة عصماء في ديوانها الكبير المرصع بالصور والمعاني ، والموشى بالقوافي والديباجة والخيال ،، وكيف لا ما دامت تجمع أطراف المجد العربي من كافة جوانبه .
أم بالمدينة الفاضلة كما وصفها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة حفظه بأنها “المدينة الفاضلة” وذلك خلال زيارته الميمونة لها في عام 2006 م ولقاءه مع أهالي المدينة، حيث قال: (… نتمنى أن تعملوا معنا للارتقاء بهذه المدينة لتصبح المدينة الفاضلة، فهذه تريد زمناً طويلاً حتى نصل لذلك لابد أن نعتني بالنشئ) ، ولم يكن وصف سموه مرتبطاً بمدينة أفلاطون الافتراضية.. الطبقية.. المراتبية، بل لمدينة عربية إسلامية تجعل العدل والأمن معياراً للفضيلة، وترى في جوهر الإسلام وروحه فضاءً للسمو والرفعة. وصفه إياها بأنها المدينة الفاضلة يعيد إلى الذاكرة أمجادها الموغلة في التاريخ، وحضورها السخي في زمن الرسالة السمحاء وامتداداتها الروحية والأخلاقية والثقافية، وإن استمرار نبضها بحيوية الخيار والاختيار جعل من إمارة الشارقة ركناً ركيناً للثقافة والمجد والنماء.

دبا عبر التاريخ :

على ضفاف الشاطئ الغربي من خليج عمان ، تطل عن كثب على عتبة من عتبات تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث إشعاع الحضارة يبزغ في اشراقات بهية ، يعبق بنسيم العراقة والقدم ، ويدعو إلى رحلة رائعة عبر تاريخ أعرق مدينة في دولة الإمارات ، فلم تعرف بلد وتشتهر في التاريخ القديم للإمارات كما عرفت مدينة ( دبا الحصن ) واشتهرت في نفس الوقت الذي وجدت فيه حضارات أخرى مهمة تجاورها كحضارة :
( هيلي ) ، و ( أم النار ) ، و ( مليحة ) ، و ( جلفار ) أي رأس الخيمة .
إلا إن مدينة دبا الحصن عرفت في فترات عريقة وقديمة في التاريخ ، إذ امتدت حضاراتها للألف الأول قبل الميلاد ، كما كانت موطناً رئيسياً للهجرات التي وفدت على الخليج العربي من اليمن ، ثم زاد من أهميتها الحركة التجارية النشطة مع العالم الخارجي ، ثم غدت قصبة عمان وموطن العمال ومنزل الأمراء فصارت فرضة من فرضات العرب الشهيرة .
ويرتبط اسم دبا بسوق من أسواق العرب بالجاهلية مثل سوق عكاظ وعدن وصنعاء وعمان وحضرموت، وكان ذلك السوق يسمى بسوق دبا ويجمع بين تجار جزيرة العرب والهند والسند وبلاد فارس والصين. بسبب الحركة التجارية التي كانت تشهدها دبا في الماضي، تربتها خصبة للمحاصيل الزراعية حيث توافدت عليها أنواع كثيرة من المحاصيل الزراعية وتم زراعتها فيما بعد وانتشرت في المنطقة بعد ذلك.

 أهالي دبا يحتفلون باليوم الوطني ورفع علم دولة الامارات العربية المتحدة
أهالي دبا يحتفلون باليوم الوطني ورفع علم دولة الامارات العربية المتحدة

وفي العهد الإسلامي ظهرت دبا على صفحات التاريخ بشكل قوي ، حيث يذكر المؤرخون دخول أهل دبا في الإسلام ، كما تتحفنا كتب التاريخ بذكر من اشتهر من أهلها مثل العلامة القاضي كعب بن سور الأزدي قاضي عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البصرة ، وكذلك القائد البطل المهلب بن أبي صفرة والي خراسان .
وفي التاريخ الحديث اجتاحتها فتن وأحداث كادت تودي بأهلها مثل الاكتساح البرتغالي للمنطقة واتخاذه لدبا قاعدة عسكرية ، ثم الفتن والثورات المتعاقبة التي حدثت فيها والتي أضرم نارها الاستعمار وما جرت إليه من دماء وويلات وانقسام .
وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان بأن دبا الحصن قديماً كانت قصبة عمان ( أي عاصمتها ومركز الثقل فيها ) ، حتى انفصلت دبا عن عمان وذلك إبان قيام الإمارة القاسمية وسيطرة تلك الإمارة على المدن الممتدة من رأس مسندم في الخليج العربي ونزولاً على طول الساحل الغربي للخليج إلى مدينة جلفار ( رأس الخيمة ) ثم إلى موقع الشارقة الآن ، ثم تعبر حدود الإمارة القاسمية الساحل الإيراني حيث تقع مدينة ( لنجة ) العاصمة القاسمية هناك .

التسمية والمنشأ :

هناك رأيان فـي التسمية الحقيقية لدبا الحصن الأول يقول إن اسمها ( دبا ) ، والثاني يقول ( دما ) وسميت كذلك لكثرة الدماء التي سالت على أرضها ، والتسمية هذه غير صحيحة لأن جميع المصادر الموجودة تذكر بأن اسمها
دبا ( بفتح حرفي الدال والباء ).

المناخ والتضاريس :

تقع دبا على الشاطئ الغربي من خليج عمان ، يحدها شرقاً ساحل الخليج وتطل عليها غرباً سلسلة جبال الحجر الغربي المرتبطة بجبال رأس مسندم ، وهي بذلك تكون واقعة في جبال عرض ( 35.3 ) درجة ، ويمر بها خط طولي مقداره (56.00 ) درجة ، وهي بهذا الموقع تعتبر محصنة من جميع الجهات ، واتصالها بالبحر زاد من أهميتها وهو كما نعلم عامل مهم للإمداد بالمؤن والذخائر وقت الأزمات خاصة إذا أغلقت الممرات البرية ، كما أن دبا مرفأ نشط ترتبط بمضيق هرمز الاستراتيجي الذي يعتبر من الممرات الدولية الخطيرة .
وموقع دبا بهذه الصورة أهلها بحق إلى أن تكون ميناء عظيماً تستقطب السفن القادمة إلى عمان من بحر الصين والهند وفارس . ومناخ المدينة رائع في فصل الصيف أما في الشتاء فان الكميات الكبيرة من الأمطار التي تهطل عليها غذتها بروافد المياه الحيوية للزراعة والمراعي التي اشتهرت بها دبا قديماً .

التعليم في دبا :

ظهرت فكرة إنشاء أول مدرسة في دبا الحصن عام 1965 ، وكان رائد هذه الفكرة الشيخ صقر بن سلطان القاسمي الذي وضع حجر الأساس لأول مدرسة فيها ، ويوجد حالياً في دبا الحصن مكتبة عمومية فيها أكثر من ستون ألف كتاب ، ويوجد إقبال كبير على المطالعة ، علما أن المكتبة مزودة بقسم لتعليم اللغة الإنكليزية ، وعدد المدارس حالياً أكثر من عشرة مدارس نظامية مزودة بكل تطورات العلوم الحديثة .

صيد السمك :

تعد مصائد الأسماك القريبة من دبا من أشهر وأكثر الأماكن التي تجلب منها الأسماك ، وهذا الساحل معطاء حافل بالخير فقد أودع الله سبحانه فيه الرزق الوفير لأبناء هذه المنطقة ليشكروه على نعمه العظيمة وآلاءه الواسعة .

دبا العراقة والرقي

هذه هي دبا الحصن العراقة والرقي ، والازدهار والأصالة ، والتاريخ المفعم بعبق الماضي وعطر الحاضر ، ومن يزورها اليوم يرى البناء العمراني الأصيل الذي يدل على الطراز الإسلامي الرائع حيث توجد على خط واحد أبنية حديثة رائعة الشكل والبنيان تمتد على طول الحصن البلدية ، ودائرة الأوقاف وجمعية دبا الحصن للثقافة والفنون والمكتبة ومركزاً ثقافياً رائعاً إضافة إلى بناء الديوان الأميري المطل على البحر مباشرة ، وبالإرادة والروية يمكن صنع المستحيلات، فبالنظر إلى عبقرية التاريخ وحكمة الجغرافيا يمكن استعادة الأمجاد، هكذا هو الحال في دبا الحصن التي تحولت خلال مدة قصيرة من واحة تقيم في الماضي تستدعي نواميسه وأحواله إلى مدينة ترف ونعيم وتتجدد بوتيرة صاعدة، في دبا الحصن يتعانق الماضي مع المستقبل ضمن بانوراما مشهدية ودلالية تباشر ثقافة استثنائية للعمل وتحقيق الأحلام، وتقديم رافدٍ آخر من روافد النماء المادي والروحي لإمارة الشارقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى