أخبار عربية ودولية

أردوغان حقق مكاسب محدودة في قمة الناتو وأضاع فرصة كبيرة

واشنطن – (د ب أ)

بعد أن تخلت تركيا يوم الثلاثاء الماضي عن اعتراضها لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، عقب الحصول على سلسلة من التعهدات منهما بالتعاون في جهود “مكافحة الإرهاب”، اعتبرت بعض وسائل الإعلام التركية أن هذا يضيف نقاط إلى الرصيد السياسي للرئيس رجب طيب أردوغان، لكن ما مدى صحة ذلك؟

يقول الكاتب الامريكي بوبي جوش في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إنه إذا تم الحكم من خلال رؤية وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة، فقد سجل أردوغان انتصارا جيوسياسيا كبيرا لبلاده في قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة في مدريد . وذكرت صحيفة يني أكيت اليومية المحافظة أن “تركيا فرضت نفسها على الطاولة ، وركّعت أوروبا”.

وكانت هذه إشارة إلىسياسةحافة الهاوية التي اتخذها أردوغان بشأن انضمام السويد وفنلندا للحلف، والتي أجبرت أعضاء الحلف الآخرين على استثمار الوقت والطاقة في مناشدته في الوقت الذي يواجه فيه الناتو أصعب اختبار له منذ عقود نتيجة للتوسع الروسي. وفي نهاية المطاف، وقعت الدولتان اتفاقا مع تركيا، تعهدتا فيه بمعالجة مخاوفها الأمنية، التي تركز بشكل أساسي على الجماعات الكردية التي تعتبرها أنقرة إرهابية.

ويقول جوش إن هذا سمح للرئيس التركي بسحب اعتراضاته على عضويتهما. وكمكافأة له، عقد أردوغان اجتماعا وجها لوجه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وحظي بدعم البيت الأبيض لبيع طائرات مقاتلة من طراز (إف 16) إلى تركيا. كما عقد حلف الناتو جلسة خاصة لمناقشة جناحه الجنوبي، مما سمح للرئيس التركي بإثارة تهديد “الجماعات الإرهابية الكردية”.

ويضيف جوش أنه في الأسابيع والأشهر المقبلة، سيتحدث أردوغان عن نجاحه الذي حققه في إسبانيا بينما يصعد حملة إعادة انتخابه.

ومع بقاء أقل من عام قبل أن يواجه جمهورا من الناخبين في ضائقة اقتصادية شديدة، سوف يغتنم الرئيس أي فرصة ممكنة لاستعراض القوة .

لكن الأتراك الذين يولون اهتماما وثيقا لمكائد اللحظات الأخيرة في مدريد سيعرفون أن أردوغان لم يكسب سوى القليل جدا، وربما خسر الكثير، حسبما يقول جوش . فإذا حصل أردوغان على بعض نقاط الحوار لخطابات حملته الانتخابية، فقد تخلى الرئيس عن فرصة لإعادة تركيا إلى الطاولة العليا للشؤون الدولية.

وكان بإمكان أردوغان تحقيق ما يريد بشكل مختلف. وبدلا من التمسك بالسويد وفنلندا، ربما كان بامكانه وضعه كأطول زعيم من حيث البقاء في السلطة، بحلف شمال الأطلسي ليكون رجل الدولة في وقت الصراع . وكانت وجهات نظره حول الأزمة التي تتنامى على طول الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي، مع الحرب في أوكرانيا والقلق في دول البلطيق، ذات قيمة خاصة لأنه يتمتع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعلاقة أوثق من أي شخص آخر في الحلف.

ويقول جوش إنه “بدلا من ذلك، أكدت مهاراته في اللعب سمعة أردوغان داخل حلف شمال الأطلسي كمفسد للأمور يسعى لتحقيق ميزة شخصية على حساب الصالح العام. وعندما تنضم السويد وفنلندا إلى الحلف، فإن قائمة الأعضاء الذين لديهم خبرة مريرة في انتهازيته التي تخدم مصالحه الذاتية سوف تنمو بمقدار اثنين. أما الآخرون، الذين أغضبهم بالفعل إعلانه قضية مشتركة مع بوتين وتعريض أمن المجموعة ككل للخطر من خلال شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية، فلن ينسوا أنه عندما واجهتهم أزمة كبرى جميعا، اختار أردوغان أن يمارسسياسةضيقة الأفق”.

ويتساءل جوش عن الهدف الذي ستحققه جهود أردوغان، ويوضح أن هناك أقل مما تراه العين في ذلك الاتفاق مع البلدين الواقعين في الشمال الأوروبي. وعلى الرغم من أن السويد وفنلندا اتفقتا على معالجة شكاوى تركيا القائمة منذ فترة طويلة من أنهما توفران المأوى لـ “الإرهابيين الأكراد” وغيرهم من الجماعات المكرسة لسقوط أردوغان، فإن لديهما مساحة أكبر من كافية للتعتيم عندما يتعلق الأمر باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين حددتهم أنقرة على أنهم أعداء.

ستكون الأدلة على هذا التلاعب في متناول اليد قريبا. وطلبت تركيا من السويد وفنلندا تسليم 33 شخصا. ويقال إن بعضهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك تركيا جماعة إرهابية، و البعض الآخرمن أتباع فتح الله جولن، رجل الدين التركي المقيم في بنسلفانيا والحليف السابق لأردوغان الذي تتهمه أنقرة بالمسؤولية عن محاولة انقلاب عام 2016، وهو اتهام يرفضه جولن.

لكن الاتفاق الذي أعلن عنه في مدريد لا يلزم السويد وفنلندا بتسليم أفراد محددين، ناهيك عن إلزامهما بتغيير قوانين تسليم المجرمين. إن عبء الإثبات الذي سيطلبه البلدان من تركيا كبير، واحتمالات وضع أي من الـ 33 على متن طائرة متجهة إلى أنقرة في أي وقت قريب ليست جيدة جدا.

والالتزام الآخر في الاتفاق الثلاثي أكثر أهمية إلى حد ما، فالدولتان الاسكندنافيتان سترفعان حظر الأسلحة المفروض على تركيا. لكن الأسلحة التي تطمح إليها أنقرة تميل إلى أن تكون أمريكية، ولم يحقق أردوغان أي إنجازات على تلك الجبهة.

ولم يكن دعم بايدن لبيع طائرات (إف 16) يشكل تنازلا، إذ كان ذلك متوقعا منذ عدة أشهر. وكانت العقبة الرئيسية في الكونجرس، حيث كان المشرعون يعرقلون البيع لمعاقبة أردوغان على قراره عام 2017 بشراء أنظمة الدفاع الصاروخي روسية الصنع (إس 400) على الرغم من التحذيرات الأمريكية من أنها ستعرض أمن الناتو للخطر. وحتى في الكونجرس، كانت الاعتراضات قد خفت بالفعل قبل الخلاف حول توسع حلف الناتو.

وعلى أي حال ، فإن مقاتلات (إف 16) ليست سوى جائزة ترضية. ولا تزال تركيا ممنوعة من الحصول على طائرات (إف 35) الأكثر تقدما، بعد أن كان من المفترض أن تشارك في تصنيعها، ولكن تم إسقاطها من البرنامج عندما اشترت (إس 400) الروسية.

وماذا عن الاجتماع وجها لوجه مع بايدن؟ لقد ابتسم الرجلان كأداء واجب للكاميرات، ويمكن لأردوغان استخدام تلك الصور للإعلان عن مكانته كزعيم عالمي. ويقول جوش: ” لكن بايدن لن يغير تقييمه بأن الرئيس التركي مستبد وأن الولايات المتحدة يجب أن تشجع خصومه على هزيمته العام المقبل. وقد يجد أردوغان فيما بعد أن بايدن لم يكن يبتسم بقدر ما كان يكشر عن أنيابه”.

أما بالنسبة لجلسة حلف شمال الأطلسي حول الجناح الجنوبي، فلم يكن ذلك تنازلا لتركيا بقدر ما كان تساهلا مع إسبانيا، مضيفة القمة، التي أرادت إجراء مناقشة حول الهجرة والجماعات المسلحة في أفريقيا.

لقد أفلت أردوغان منذ فترة طويلة من مغامرات السياسة الخارجية على حساب حلفاء تركيا، ووسع هذا الخط في مدريد. لكن العائدات من مناوراته تضاءلت إلى حد أنها تعتبر شيئا لا يذكر تقريبا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى