شجار وتدافع أمام مخابز لبنان في ظل الانهيار الاقتصادي المدمر
بيروت-(رويترز):
انتظر محمد أبو خضر لساعات طويلة خارج أحد المخابز في بيروت على أمل شراء ربطتين من الخبز المدعوم الذي يحتاجه لإطعام أسرته، لكن لم يكن هناك ما يشير إلى إعادة فتح الأبواب أمامه أو أمام عشرات غيره ممن يقفون في الخارج.
قال أبو خضر (57 عاما)، وهو أب لأربعة أولاد، بينما كان يقف وسط حشد أمام مخبز في الضاحية الجنوبية لبيروت “أيام الحرب (الاهلية التي دارت من عام 1975 إلى 1990) لم ننذل هكذا، لم نقف في الطابور هكذا، لم تمر علينا أيام مثل هذه. انظر إلى النساء.. انظر إلى الدنيا.. بهدلة، عيب”.
وفي الوقت الذي يئن فيه الكثير من اللبنانيين في ظل الانهيار الاقتصادي المدمر، أدى نقص الخبز المدعوم من الدولة إلى تفاقم المصاعب وأثار العديد من المشاجرات خارج المخابز وتحول بعضها إلى حوادث إطلاق نار في الهواء.
وازدادت المشكلة حدة منذ اندلاع حرب أوكرانيا التي عطلت إمدادات القمح من مورد الحبوب الرئيسي في لبنان.
لكن أزمة القمح ترتبط أيضا بمضاعفات الأزمة المالية اللبنانية التي أفقدت العملة المحلية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها خلال ثلاث سنوات.
يتم إنتاج الرغيف، الذي يعتبر عنصرا غذائيا أساسيا للكثيرين، باستخدام الدقيق (الطحين) المستورد بأسعار صرف مدعومة، مما يوفر بيئة مواتية بشدة للفساد ويولّد سوقا سوداء يباع فيها الخبز بأسعار مضاعفة.
وعزا وزير الاقتصاد أمين سلام أزمة الإمدادات الأخيرة إلى سرقة تجار قمح للدقيق الشهر الماضي.
وفي تصريحات لرويترز ألقى سلام باللائمة أيضا في النقص الأخير على النازحين السوريين واتهمهم بشراء أرغفة فائضة عن حاجتهم لإرسالها إلى سوريا أو بيعها في السوق السوداء.
وقال ردا على سؤال لرويترز “بالنسبة إلى موضوع النازحين السوريين، طبعا هم يشكلون ضغطا كبيرا جدا والمؤسف أنهم لا يستعملون حاجاتهم للاكتفاء الذاتي، بل هم صاروا يأخذون ربطات زيادة ويبيعوها بالسوق السوداء أو يبعثوها على سوريا، هذه هي المشكلة”.
أضاف “بالنسبة لنا السوري مثله مثل اللبناني، هو إنسان يحتاج إلى المواد الغذائية، لا تفرقة إنسانية عندنا، ولكن صار فيه استغلال، يقف (النازح السوري) أول مرة ويأخذ ربطة ومن ثم يرجع ويأخذ ربطة ثانية، ويرسل عائلته كلها، ويحصل تهريب للربطات وبيعها في السوق السوداء أو تهريبها”.
وقال مصدر أمني ان اشتباكات بالأيدي اندلعت لدى تدافع سوريين ولبنانيين أمام أحد المخابز في بيروت.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان أُرسل إلى رويترز “في هذا الوضع الصعب للغاية، نشهد زيادة في التوترات بين المجتمعات المختلفة”.
وأضافت “المفوضية قلقة أيضا من أن الممارسات التي تضع القيود والتدابير التمييزية يتم تطبيقها على أساس الجنسية، مما يؤثر في جملة أمور على اللاجئين”.
وتابعت قائلة إن استمرار الدعم الدولي للبنان أمر بالغ الأهمية لضمان الوصول الآمن للغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى.
ويستضيف لبنان لاجئين سوريين منذ بدء الحرب في عام 2011، ويقدر عددهم بنحو 1.5 مليون.
وأصدرت نجاة رشدي، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان، الأسبوع الماضي بيانا أشارت فيه إلى تزايد النقاش العام في لبنان حول عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا ودعت الجميع “إلى الامتناع عن تأجيج المشاعر السلبية والكراهية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي”.
* “ضغط كبير”
قال سلام إن اللاجئين السوريين يمارسون “ضغوطا كبيرة” على الإمدادات لكنهم لم يواجهوا تمييزا.
وأعرب عن أمله في أن تنحسر مشاكل الإمداد في غضون الأيام القليلة المقبلة، قائلا إنه يجري تفريغ 49 ألف طن من القمح في ميناء بيروت هذا الأسبوع، وهو ما ينبغي أن يستمر لمدة شهر ونصف الشهر.
وأشار إلى أن مجلس النواب وافق على قرض بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي لشراء الحبوب، مضيفا أن القوى الأمنية تكثف مراقبة شحنات القمح لمنع السرقات.
ويقول أصحاب المخابز إن السلطات لا تقدم ما يكفي من الدقيق المدعوم، وهو ما تنفيه وزارة الاقتصاد.
وقال خالد ضاهر، الذي كان ينتظر مع الحشد خارج أحد مخابز الضاحية الجنوبية، إن الخبز متوفر في السوق السوداء ولكن بأربعة أضعاف السعر الرسمي البالغ 13 ألف ليرة لبنانية، أي حوالي 44 سنتا بسعر الصرف في السوق.
وتابع قائلا “إنه أمر مذل. هذا خبز”، مضيفا أن بيته يخلو من أي رغيف خبز منذ يوم الأربعاء.
وقال “فليفتحوا لنا أبواب الهجرة حتى نتمكن من المغادرة، لا حل إلا بذلك. لا يمكننا العيش في بلدنا”.