صحة وتغذية

العرب والطب: أخلاقيات العمل والتعامل

بقلم / الدكتورة فاطمة محمد خميس

تسعى دراسات عديدة في علوم قيادة وإدارة المستشفيات إلى تعزيز “أنسنة” الرعاية الصحية والطبية، وتوعية الكوادر الصحية بأن دور الطبيب لا ينحصر في الجانب العلمي من تخصصه فقط. بمعنى أن الخطة العلاجية لا يجب أن تقتصر على المرض سببا وتطورا وعلاجا، وإنما يجب أن تراعي أيضا السياقات النفسية والاجتماعية حول المريض من خلال التعامل الواعي والمدروس معه ومع عائلته. والحجة الأولى لتلك الدراسات أن مثل هذه الشمولية في الخطة العلاجية كفيلة بمساعدة المريض في تقبل الخدمات العلاجية المقدّمة له وبالتالي سرعة تعافيه. ويتميّز غالب الأطباء العرب بوجود هذه القيمة في أخلاقيات عملهم وتعاملهم مع المرضى، فالثقافة العربية لا تزال تتمسك بقيم عميقة لا تفصل العلم عن الإنسانية وأخلاقيات التعامل والعمل. فقيم الثقافة والدين التي تتعلق بالرحمة والتعاطف وحسن المعاملة هي ممارسات يومية للشخصية العربية والمسلمة لا سيما وأنها ممارسات تتعلق بالقبول والرضى ذاتيا واجتماعيا وثقافيا لا وظيفيا فقط.
ولا يعني هذا إنكار تميز الحضارات الأخرى في علوم الطب أو قيم التعامل والعمل في مجال الرعاية الصحية، وإنما القصد التنبه إلى خصوصية كل ثقافة في طريقة تفعيل تلك القيم في ميادين مثل الرعاية الصحية. ومن الجوانب المهمة أيضا توعية المجتمع في هذا الجانب، وهي أهمية أدركتها سلطات الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة بدليل انتشار استبيانات قياس جودة الخدمة التي تعقب زيارة كثير من مستشفياتها أو مراكزها الصحية. ويعود ذلك بنا إلى العصر الذهبي لعلماء الطب العرب الأوائل أمثال ابن سينا وأبي بكر الرازي وابن النفيس والخدمات التي قدموها إلى مهنة الطب علما وخُلُقا. ولا زال الأطباء العرب يثبتون حضورا متميزا وفعّالا في محافل دولية عديدة في وقتنا الحالي، ومن أشهرهم على سبيل المثال لا الحصر البروفيسور مجدي يعقوب والبروفيسور محمد غنيم.
وكلا الرجلين مستمر في العطاء الإنساني بعد مسيرة مهنية حافلة، فقد أنشأ البروفيسور مجدي يعقوب مستشفى خيرية تعنى بالأطفال الفقراء ممن ولدوا بعيوب خلقية خطيرة في القلب في مصر، ومركزا آخر لأمراض القلب في أسوان حيث يقدم العمليات الجراحية المجانية فيه. أما البروفيسور محمد غنيم فهو من أسس مركزا طبيا في مجال تخصصه يتميز بقاعدة بيانية رقمية تضم ما يقارب 85% من بيانات الحالات الطبية مما يساهم في تفعيل مسارات التشخيص الطبي واتخاذ القرار في العلاج الطبي بشكل فعال. ومن أنشطته الإنسانية التي تُذكر له مساهمته في عمليات الإغاثة الإنسانية في حرب غزة عام 2009، والتي شدّد فيها على أهمية مساهمة الأطباء العرب في مثل هذا المجال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى