التأنيب .. نوع من أنواع العقاب الذاتي

بقلم / د. ولاء قاسم

التأنيب هو نوع من أنواع العقاب الذاتي يطبقه الشخص على نفسه بعد ارتكابه لفعل خاطئ .يظهر التأنيب في شكل وخزة في القلب وتوعك في المعده او رعشة في اليدين. يصنف من اكثر المشاعر ايلاما واشدها انخفاضا .

في التركيبه النفسيه للانسان توجد الأنا العليا بشكل طبيعي وهي المسؤوله عن التأنيب وهي اليه لضبط النفس في مواجهه الغرائز الحيوانيه والدوافع البدائيه، بالعامية تعرف ب (الضمير).

الضمير مفيد لمحاسبة النفس ومراجعة الأخطاء لكن المشكله عندما يتخذ التأنيب شكل عنيف جداً في الشعور بالذنب وجلد الذات ونصب محكمة لنفسك بعد أي خطأ تقع فيه فتصاب بشعور مزعج ومؤلم جداً.

عادة يصيب التأنيب الأشخاص الذين تربوا تربيه قاسية كلها رفض وعقاب وقهر أو مع والدين مهتمين بالمثالية يواجهون أي درجه خطأ بتعنيف وقسوة .

يمكن أن ينشأ التأنيب أيضاً من العيش في مجتمعات منغلقه على نفسها تكبل أفرادها بالقيود والعلل فيظلوا متوجسين دائماً من العيب وكلام الناس .

من أسباب التأنيب التشدد والتطرف في الدين والتهويل والتخويف وتصوير الخالق على إنه متربص بعباده منتقم منهم (تنزه الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً)،

كل هذه الأسباب ينتج عنها شعور دائم عند الشخص إنه مذنب ومستحق للعقوبه طوال الوقت .

يمكن أن ياخذ الشعور بالذنب والتأنيب اتجاهين:
الأول: يلوم الشخص نفسه بشده ويحقرها ويققل منها ويضخم الخطأ ويرفضه ويدور في دائرة مفرغة من الألم والمعاناة .

الثاني: عندما يكون التأنيب بكثافة شعورية عالية ودرجة عالية من الألم يصعب على الشخص احتمالها فيقوم بعملية اللاوعيه تسمي الإسقاط (يسقط اللوم على أحد أو شئ في المحيط ويظهر أمام نفسه بمظهر الضحية ) .
وعي الضحية كارثة مجتمعية كبيرة سوف أتكلم عنها في مقال مستقل باذن الرحمن.

لنتخلص من الشعور بالتأنيب المزمن نتفق على بعض النقاط:

أولاً :التأنيب سبب لفقدان المتعه والشغف والتطور في الحياة وسبب لإعتلال النفس وأمراض الجسد.

ثانياً : الشعور بالتأنيب لن يرجع الماضي ولن يحسن الأداء ولن يمنعك من الوقوع في الخطأ بل إن الحالة السلبية التى يسببها التأنيب تشوش عملية التفكير ومن المرجح أن ترجع لدائرة الخطأ من جديد .

ثالثاً :الخطأ ليس نهايه العالم. التجربه البشرية قائمة على التعلم والتطور والوقوع في الأخطاء وتقويمها هو أساس التعلم .

رابعاً :ليس من حق أي شخص أن يحكم عليك بسبب أخطاءك وليس من حق أي شخص يوزع علينا صكوك الغفران .

خامساً : من حقك في أي وقت من حياتك أن تتخلي عن أي مبدأ أو فكر تبنيته سابقاً وأدركت أنه غير مناسب أو أصبحت تشعر بالتأنيب بسببه (التغير سنة في الكون ونحن لسنا أفكارنا بل نحن الوعي المتضمن للأفكار ، تخلينا عن فكرة ما لا يعني أبداً فقداننا لذواتنا )

سادساً : الفرق كبير الشعور بالتأنيب والتوبة . آلية التوبة قائمة على ندم (ينتهي بالتوبة ) والإقلاع عن الذنب ومجاهدة النفس في عدم العودة إليه ثم تفتح صفحة جديدة وتتنطلق في الحياة.

أخيراً سأقترح عليك توجيهات عامة:

1. تعلم التسامح والتعاطف مع الذات ولا تعطي مفتاح قبولك لذاتك لأحد وأضبط حوارك الداخلي, ابتعد عن لوم نفسك وتحقيرها .

2. تبني التوجه الإيجابي في التعامل مع الخطأ مثلاً أخطأت في حق والدتك كن شجاعاً واعتذر.. أخرت صلاتك صلي معاها نافلة ..اغتبت شخص تصدق عنه أو أدعي له بظهر الغيب من باب (اتبع السيئة الحسنة تمحها )

3. اصنع لنفسك ميزان واضح للصح للخطأ وتبنى مصفوفة من القيم تكون مرجعية بالنسبة لك وانتبه أن تخضعها لتقيمك الشخصي وليس للمزاج المجتمعي.

4. توازن في علاقتك مع الماضي لا تتألم وتأنب نفسك على قرار خطأ لأنه كان في وقتها متناسب مع أفكارك ومرحلة وعيك .

5. الاختيار والوقوع في الخطأ حق من حقوقك لا تتخلى عنه حتى لا تصبح شخص محنط يقف على هامش الحياة ويخاف من أي تجربه تجر وراها خطأ وشعور بالتأنيب على العكس جرب وأخطئ وتعلم . التعلم حق أصيل لاتفقده إلا بالموت .

Exit mobile version