The53rd Eid Al Etihad Logo
مرئيات

متلازمة الأم العاملة والطفل المعاقب

بقلم / د.ولاء_قاسم

أدخل منزلي منهكة بعد يوم شاق ومرهق في العمل ، فأجد أولادي وقد فعلوا بالبيت الأفاعيل ولم ينتهوا من واجباتهم المدرسية فاتجه إلى معاقبتهم بالضرب أحياناً وبالصراخ والشتائم أحياناً أخرى،،، فتزداد حالتي سوء وأقضى باقي ليلتي في شعور مقيت بالذنب!!!

تكررت هذه الشكوى في رسائل عديدة بصيغ كثيرة كلها تحكي نفس المعاناة ،،،

سأبدأ أولاً في تحليل نفسية الأم في هذا الموقف لأن وعينا بدوافع التصرف أول خطواتنا في اتجاه التقويم :

أولاً : الأم تشعر بكمية هائلة من الضغط بين ضغوط العمل ودورها كزوجة وأم في البيت ،ونتيجة هذا الضغط تشعر بالعجز عن مواجهة متطلبات الحياة ومجرياتها التي يبدو أنها تخالف رغبتها .
عندما يشعر الإنسان بفقدان السيطرة في اللاوعي يبحث عن أقرب شئ يمكن أن يثبت له أنه لا يزال يمسك بزمام الأمور ،،، لذلك يكون الأطفال الهدف الأول لتحويل الغضب لو لاحظتم سواء بعد الخلاف الزوجي أو نتيجة الضغوط الخارجيه.

ثانياً: غالباً الأم العاملة تعتقد بتقصيرها وبشعور الذنب تجاه الأطفال نظراً لغيابها عن المنزل لساعات طويلة هنا عقلها الباطن يجذب لها مزيد من الأحداث تثبت ذلك الاعتقاد وتدعم الشعور بالذنب.

ثالثاً: شعور التعب والانهاك يدفعنا دائماً للرغبة في حل المواقف بأسرع وأسهل طريق دون حساب واعي للنتائج أو الأضرار لاحقاً.

الضرب والعقاب البدني للأطفال هو من أخطر المهددات لسلامة الطفل النفسيه ويدل على وجود أزمة في العلاقة بين الطفل والأم لعدة أسباب :

أولاً: الضرب مؤذي جسدياً ، بطبيعة الحال عندما تصفع إبنك صفعة خفيفة وتعطي النتيجة المرجوة في المرات القادمة سيخف مفعولها فتضطر لزيادة الشدة مما يزيد احتمال الأضرار بالصحة والإيذاء الجسدي.

ثانياً : اثبتت الدرسات التربوية أن الضرب لا ينتج أبداً أي تحسن على مستوى السلوك بل يزيد العنف عند الطفل في اتجاهين:
1 :عنف تجاه الذات ومن مظاهره التبول اللا إرادي وقضم الأظافر ونتيجته طفل خائف مضطرب نفسياً .

2 : عنف تجاه الآخرين فينتج طفل عدواني خارج عن السيطرة ، يمارس العنف مع إخوانه وأقرانه وتكون تلك طريقته في حل أي مشكلة تواجهه.

3: الضرب يفقد الطفل احترامه لجسده مما يعزز احتمالية تعرضه للإعتداء الجسدي من المحيطين ويحجم قدرته للدفاع عن نفسه ويؤدي إلى اضطرابات نفسيه وعاطفيه وجسدية.

أما بالنسبة للشتائم والعنف اللفظي :
يلجأ الكثير من الأمهات والآباء للعنف اللفظي لأنه لا يخلف أثر ظاهري على جسد الطفل فيقلل من شعور التأنيب والندم لدى الوالدين ، لكن يجب أن ندرك أن ذلك العنف لا يقل خطورة وله أثر عميق على التكوين النفسي للطفل :

الأم أقرب مخلوق إلى طفلها فكل ما تقوله الأم يطبع في ذاكرة طفلها ويمثل صوته الداخلي في المستقبل .

قد ينتهج الطفل تصرفات دخيله عليه ويجير سلوكه تدريجياً لينسجم مع تلك الأوصاف التي تم شتمه بها وهو ما نسميه نفسياً بمنهج ( الالتزام والاطراد)

تدمير ثقة الطفل بنفسه وضعف الشخصية والعزلة التي قد تصل حد الانعزال الاجتماعي وتجنب الاختلاط بالناس.

الكلام القاسي يشعر الطفل بالاحتقار لنفسه وتضخيم أخطائه وبالتالي تربية التأنيب لديه وقد يتطور إلى الاكتئاب ويتسبب في القلق وعدم الاستقرار النفسي.

الكلام البذئ والعبارات القاسية ستكون الوسيلة الوحيدة التي يعرفها في التواصل مع الآخرين .

نصيحتي لك :
عندما تعودي منهكة سلمي على أطفالك وانعزلي في غرفتك أو أرسيلهم إلى غرفهم حتى تتمالكي نفسك وتعودي لطبيعتك ومارسي تقنيات للاسترخاء ،قد يكلفك ذلك بعد الزمن لكن نتيجته أفضل من إسقاط غضبك عليهم.

إذا عاقبت طفلك ثم أدركت أنه لم يفعل شئ يستوجب العقاب سارعي للاعتراف له والاعتذار منه ، اعترافك سيعيد الامان لبيئته الداخليه ويجيب على عدد من التساؤلات تدور في ذهنه لكن إحذري من قلب الموقف إلى دراما فتكون النتيجه عكسية .

ربما يساعدك أن تعلقي ورقة في مكان واضح في البيت لأطفالك واكتبي فيها كل التصرفات التي تستوجب العقاب ، على أن يكون عقاب تربوي ليس فيه عنف جسدي أو لفظي ،على الرغم من إني موقنة أن التحفيز وتعزيز السلوك الإيجابي أكثر تأثيراً.

تخلصي من شعورك بالذنب فقد تكون الأم العاملة هي الأفضل في التربية لو أجادت إدارة الوقت وأتقنت التواصل لأن الرضا عن الذات والإنجاز في العمل ينعكس سعادة عليها وعلى محيطها ومهارات القيادة التي يتطلبها العمل تساعدها في إدارتها لبيتها بالإضافة إلى أن شعور التقصير يدفعنا لبذل المزيد،، إذا كنت غائبة عن طفلك في ساعات العمل حاولي تعويض ذلك برفع جودة الوقت الذي تقضيه معه ، شاركيه لعبه، مشاعره ،ومخاوفه ،التواصل الجيد بين الأم والطفل هو الركيزة الأساسية في مسار النمو السوي وتكامل البناء النفسي للطفل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى