أمراض مشتركة بين الإنسان والحيوان على مدار التاريخ
لقد كان للحيوانات دائما وعلى مدار التاريخ دور في حياة الإنسان.. إما للحماية وللمجد الشخصي أو للتنقل أو كمصدر غذائي أو للتربية المنزلية، وعلى الوجه الآخر من العملة فإن الحيوانات تعتبر خزان العدوى ووسيلة الانتقال لأكثر من 200 مرض معدٍ تعرف بالأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان التي يمكن تعريفها على أنها مجموعة من الأمراض التي تصيب الحيوان ويمكن أن تنتقل منه إلى الإنسان بطرق انتقال مختلفة ويمكن أيضاً أن تنتقل من الإنسان إلى الحيوان.
وقد تحدث هذه الأمراض في الإنسان على شكل حالات فردية مثل الإصابة بداء السالمونيلا أو على شكل جماعي مثل وباء البروسيلا الذي أصاب الآلاف في احدى الدول في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كما أن هذه الأمراض قد تكون ذات آثار صحية محدودة ولكنها سريعة الانتشار بين الأفراد مثل التسممات الغذائية والنزلات المعوية بينما في بعض الأمراض الأخرى قد تكون خطيرة جدا وقاتلة إذا لم تعالج في الوقت المناسب مثل داء الكلب أو السعار.
وتكمن خطورة هذه الأمراض في أنها تؤثر على الحالة الصحية للأفراد وتؤثر على الثروة الحيوانية وعلى مصادر الغذاء للإنسان ولقد زادت حدة وخطورة هذه الأمراض خلال السنوات الماضية بسبب زيادة الطلب على الغذاء (وخاصة الحيواني المصدر) نظرا للزيادة الرهيبة في معدلات النمو السكاني بدون زيادة مقابلة في الثروة الحيوانية وما ترتب عليه من زيادة لحركة نقل الحيوانات بين الدول بل وبين القارات أيضا وترتب على ذلك أيضاً تغير في أساليب الرعي وأساليب تربية الحيوانات وتغيرت بيئة الحيوان وازداد قربا من المجتمعات الإنسانية.
ومن أمثلة هذه الأمرض السالمونيلا والبروسيلا وداء الكلب والطاعون والحمى الصفراء والأنفلونزا وحمى الوادي المتصدع وحمى غرب النيل والتهابات المخ والجمرة الخبيثة والدرن. ويتوقع الخبراء العالميون أن تزيد حدة هذه المشكلة خلال العقدين القادمين نظرا لاستمرار وجود أسباب المشكلة السابق ذكرها دون حلول جذرية بالإضافة لظهور مسببات جديدة للأمراض لم يكن معروفا أنها تتحور لتنتقل من الإنسان إلى الحيوان، ومن أمثلة هذه الأمراض مرض جنون البقر وسارس وأنفلونزا الطيور وعودة ظهور الدرن وحمى الوادي المتصدع.
وهناك بعض المخاطر الصحية التي يمكن أن نتعرض إليها في البر، ونود هنا أن نتعرف على بعضها من تلك الأمراض التي سبق أن عرفناها أنها أمراض مشتركة بين الإنسان والحيوان. ومن هذه الأمراض داء الكلب (بفتح اللام) والمسمى أيضاً بالسعار وهو التهاب دماغي نخاعي فيروسي حاد ومميت دائما وتكون بدايته عبارة عن إحساس بالخوف وصداع وحمى وتوعك وخوف من الماء والهواء وتزداد الأعراض المرضية وصولا إلى الشلل وتشنج عضلات البلع والهذيان وتستمر هذه الأعراض غالبا لفترة 2-6 أيام تحدث بعدها الوفاة التي غالبا ما تكون بسبب شلل عضلات التنفس.
اما العامل المسبب لهذا المرض هو فيروس الكلب Rabies virus وهو منتشر في مناطق عديدة من العالم ويسبب ما يقدر سنويا بحوالي 40 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم وتعتبر هذه النسب أقل بكثير من مثيلاتها في منتصف القرن الماضي وذلك بسبب التطعيم الروتيني للحيوانات المنزلية وبسبب فعالية النظم العلاجية والوقائية للحالات التي يتم اكتشافها.
والمناطق الوحيدة الخالية منه هي أستراليا ونيوزيلاندا واليابان وبعض الجزر الأخرى وبعض المناطق في أوروبا وخزان العدوى يشمل العديد من الحيوانات وفي مقدمتها القطط والكلاب والثعالب والقيوط والذئاب وبنات آوى والظربان والخفافيش وفي أحيان نادرة تصاب الفئران والجرذان والأرانب البرية والسناجيب.
العدوى تنتقل من الحيوان إلى الإنسان عن طريق إدخال اللعاب المحتوي على الفيروس خلال قطع في الجلد إما عن طريق العقر أو الخدوش والجروح التي قد تحدثها الحيوانات في جلد الإنسان بمخالبها حيث إنه من الممكن وجود آثار للعاب الحيوان تحت مخالبه. وتستمر فترة الحضانة لمدة 3 إلى 8 أسابيع تظهر بعدها الآثار الخطيرة السابقة إذا ما لم يتم علاج الفرد المصاب بأسرع وقت ممكن ويحتاج هذا العلاج لطبيب متخصص من أطباء الصحة الوقائية حيث يشمل هذا العلاج إعطاء المصل الواقي والتطعيم المتخصص ضد المرض (والذي قد يتطلب علاجا لمدة ثلاثة أشهر) كما قد يحتاج المريض لتنظيف وتطهير الجرح وتناول مضادات حيوية بالإضافة إلى التطعيم ضد التيتانوس بجرعة منشطة.
وهناك العديد من النصائح التي يجب على مرتادي البر أن يتبعوها للوقاية من هذا المرض القاتل هي:
1ـ الابتعاد قدر الإمكان عن أماكن وجود الحيوانات البرية خاصة التي من المحتمل أن تكونا خزانا للعدوى كما سبق أن أشرنا إليه.
2ـ في حالة وجود حيوان لديه أعراض غير طبيعية يجب الابتعاد عنه وعدم التحرش به وإبلاغ المختصين بإدارة الصحة الحيوانية في الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية الذين سيتخذون الإجراءات المناسبة لهذه الحالات.
3ـ في حالة التعرض للعقر من حيوان في البر فإنه يجب تطهير الجرح بالماء والصابون والتوجه فورا إلى أقرب مركز للصحة الوقائية لمباشرة العلاج في أقرب وقت ممكن وليكن من المعروف لدى الجميع أن نجاح العلاج في مثل هذه الحالات يعتمد أساسا على سرعة بداية العلاج والانتظام في جرعات التطعيم حسب المواعيد المحددة بمعرفة الطبيب المختص.
مرض البروسيلا هو المرض الثاني الذي يصنف من مجموعة الأمراض التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان الذي يخشى من انتقاله أحيانا لمرتادي منطقة البر نظرا لبعض العادات والممارسات الخاطئة. وهذا المرض يعرف أيضا باسم الحمى المتموجة وحمى البحر الأبيض المتوسط والحمى المالطية، وهو مرض يبدأ بصورة فجائية أو تدريجية ويتميز بحمى مستمرة أو متقطعة أو غير منتظمة تستمر لفترات متغيرة مع صداع وضعف وعرق غزير وارتعاشات وآلام في المفاصل واكتئاب ونقص في الوزن وآلام عامة وفقدان للشهية وقد يستمر المرض أياما أو أشهر عدة أو أحيانا سنة أو أكثر خاصة إذا لم يعالج بالأسلوب والتوقيت السليم ومضاعفات المرض في المفاصل والعظام مشاهدة في 20-60% من الحالات كما يتسبب المرض أحيانا في بعض المضاعفات في الجهاز البولي والتناسلي وقد تحدث الوفاة في حوالي %2 من الحالات غير المعالجة أو التي يتم علاجها بطريقة غير سليمة كما أن حدوث انتكاسات للمرض أمر غير مستبعد.
والعوامل المسببة للمرض هي بكتيريا تسمى البكتيريا البروسيلية نسبة إلى أول من اكتشفها وهو سير ويليام بروس الذي كان طبيبا في الجيش الإنجليزي في مالطة في القرن التاسع عشر واكتشف الميكروب في عينات من طحال بعض الجنود البريطانيين الذين توفوا بعد إصابتهم بالحمى ومن هنا أيضا كانت تسمية المرض بالحمى المالطية نسبة إلى أول مكان اكتشفت فيه. ويوجد من هذه الجرثومة عدة أنواع أشهرها البروسيلا المجهضة والبروسيلا المالطية والبروسيلا الخنريرية والبروسيلا الكلبية.
وهذا المرض واسع الانتشار في جميع أنحاء العالم وإن كانت أغلب الدول الأوروبية قد نجحت في السيطرة عليه إلى حد كبير وفي معظم الأحيان فإن المرض يعتبر من الأمراض المهنية التي تصيب العاملين في المزارع وتربية الحيوانات والمسالخ ولكن في الكويت كثيرا ما يتم اكتشاف العديد من الحالات نتيجة العادات الغذائية الخاطئة كما سنرى بعد قليل.
خزان العدوى هو الماشية والماعز والضأن والجمال والخنازير والثيران والرنة وبعض أنواع الأيائل وتنتقل العدوى من هذه الحيوانات إلى الإنسان عن طريق التماس مع نسيج ودم وبول ومفرزات مهبلية وأجنة مجهضة والمشيمة، وكل طرق الانتقال هذه في العادة نوع من أنواع التعرض المهني لمسبب المرض، أما الخطورة على مرتادي البر فتكمن أساسا في طرق الانتقال الأخرى التي يمكن أن تندرج تحت مسمى العادات الغذائية الخاطئة ومنها على سبيل المثال شرب الحليب غير المغلي والمأخوذ من الحيوانات المصابة أو تناول منتجات الحليب المصنوعة من هذا الألبان أو أكل لحوم مصابة وغير مطهية بصورة جيدة أو ملامسة الحيوانات المصابة وإفرازاتها أثناء اللهو معها ومداعبتها، كما أن هناك احتمالا ضعيفا لانتقال العدوى من التربة الملوثة إلى الإنسان عن طريق الهواء.
ومكافحة المرض بصفة عامة تعتمد على استئصاله من الحيوانات باستيراد السليم منها وتطعيمه ضد المرض واكتشاف أي إصابات مبكرا والتخلص من الحيوانات المصاب بالأسلوب السليم وبسترة الحليب. أما في الإنسان فإن التوعية الصحية بأسباب المرض وطرق انتقاله تشكل ركنا كبيرا في منع انتقال العدوى، كما أن اتخاذ احتياطات الوقاية الشخصية المناسبة عند التعامل مع الحيوانات تمنع انتقال العدوى بصورة كبيرة إضافة إلى أهمية بسترة الحليب ومنتجاته وتناول اللحوم المذبوحة بالطرق السليمة صحيا، كذلك فإن اكتشاف المرض في مراحله الأولى عنصر أساسي في منع مضاعفاته ومنع الإصابات المزمنة.
نصائح لرواد البر لتجنب الإصابة بهذا المرض:
ـ تجنب إقامة المخيمات بجوار أماكن وجود حيوانات الرعي.
ـ الحرص الشديد عند التعامل مع الحيوانات لاحتمال أن تكون مصابة بالمرض.
ـ التأكد من سلامة المنتجات الغذائية والألبان وسلامة مصادرها.
ـ توعية الأطفال والصغار حول المرض وخطورته وطرق انتقاله وكيفية الوقاية منه.