يعتبر الإدريسي من اشهر صناع خرائط العرب المسلمين الذين ظهروا في القرن السادس الهجري/ القرن الثاني عشر الميلادي. ويعود له الفضل في تطور الخرائط العربية الإسلامية خلال العصور الوسطى.
التزم الادريسي في خرائطة بمقياس الرسم، بالاضافة الى تحديد خطوط الطول والعرض لذلك عدّت خريطته قمة الخرائط العربية في التطور. وتعتبر خريطة الادريسي أول خريطة تظهر فيها أوروبا مع آسيا وشمال أفريقيا.
في السابق، لم تكن المخططات للبلدان والقارات والممرات المائية واضحة. لكن مع بدء تنقل الاشخاص وزيادة الاسفار والاكتشافات، زاد الطلب على وجود خرائط جديدة.
وتعتبر أفضل الخرائط حول العالم تلك التي رسمها علماء عظماء من الحضارة الإسلامية، والذين استطاعوا جمع كل المعرفة الجغرافية المتاحة لهم. كما اعتمدوا أيضًا على روايات شهود عيان من العصور الوسطى. جاءت هذه الروايات من الجغرافيين والمسافرين الذين احتفظوا بمذكرات مفصلة اثناء رحلتهم.
في القرن الثاني عشر، قام الادريسي برسم خريطة تظهر فيها معظم اوروبا، وآسيا وشمال افريقيا للمرة الأولى. وكانت هذه الخريطة سابقة لعصرها بشكل كبير. اعتمد فيها الإدريسي على معرفة سابقة له وعلى الكثير من القراءة والروايات واستطلاع وسؤال الكثير من المسافرين من أجل أن تكون الخريطة دقيقة للغاية في ذلك الوقت. وتظهر الخارطة أن الإدريسي رسمها بحيث يكون الجنوب للأعلى والشمال للأسفل، وذلك كما جرت عليه العادة أنذاك.
وبسبب إعداد هذه الخريطة صدر أمر من روجر الثاني ملك صقليه، الذي شكل حكومة قوية، ونجح في توحيد جميع فتوحات النورمان في إيطاليا. فقد أوكل مهمة للإدريسي كان من الممكن أن تستغرق 15 عامًا من البحث والاطلاع بدونه.
واستطاع الإدريسي القيام بهذه المهمة لأن صقليه كانت أنذاك في القرن الثاني عشر مفترق طرق عالمي للثقافة وملتقى للحضارات المختلفة، وهذا مكنه من الحصول على الكثير من المعلومات التي يحتاج إليها.
قدّر الإدريسي أنذاك أن محيط الأرض يبلغ 22900 ميل عند خط الاستواء، هذا يعني خلل في التقدير بنسبة 10% عن الأرقام الصحيحة. واستطاع أيضًا أن يصف في خريطته نصفي الكرة الأرضية والمناخ والبحار والخلجان المختلفة.
وضع الادريسي كرة فضية للعالم، ووضع عليها الأقاليم السبعة
حاول الإدريسي أن يضع الكثير من المعالم البشرية الجغرافية والطبيعية في خرائطه.
ويعتبر مفتاح الخارطة من الأسس المهمة عند رسم أي خارطة. لكن الادريسي استعمل الرموز في الخرائط، وأعطى الجزر شكل يشبه البيضة أو الكرة.
أشار الادريسي الى السلاسل الجبلية على شكل قبب متجاورة من أجل أن تعكس الشكل المقارب لما هو عليه في الواقع. ورسم الأنهار ومجاريها على الخارطة بخطوط متفرعة بحسب جريان النهر.
واعتمد الادريس على مقاييس معينة لكل نوع من الخرائط. رسم الادريسي مساحات صغيره من الارض على الخارطة. لذلك فإن المساحة بين الخارطة وبين مقياس الرسم كانت كبيرة.
و استعان الادريسي بالشكل الكروي للارض وقام بتقسيمها الى 360 درجة. لهذا السبب حصل على 360 خط طول. أما دوائر العرض فقام بتقسيمها الى 180 دائرة عرض، نصفها يقع في النصف الشمالي والنصف الاخر من النصف الجنوبي، وخط الاستواء ينصف القسمين.
قام الادريسي كما فعل الجغرافيين المسلمين بوضع الجنوب اعلى الخارطة والشمال اسفل الخارطة. هذا الأمر لم يؤثر على صحة الخارطة ومتطلباتها.
حدد الادريسي الاتجاهات الاربعة بشكل صحيح عند رسمه لخارطه العالم. يعتقد أهل العلم أن سبب قلب الخرائط العربية ووضع الجنوب في الاعلى والشمال في الاسفل يعود إلى أن العرب وضعوا مكة المكرمة في القسم العلوي من الخارطة لعلو مكانتها في قلوب المسلمين.
و اهتم الادريسي بوضع إطار للخارطة، حيث رسم إطار يحيط بالخارطة من الخارج يفصل بين معلومات الخارطة عن الاجزاء الخارجية المحيطة بها.
والادريسي هو محمد بن محمد ابن عبد الله بن ادريس بن يحيى بن علي بن حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن ادريس بن الحسن بن علي بن أبي طالب. تم تلقبيه بالإدريسي نسبه الى جده الاعلى ادريس.
لقب أيضًا الادريسي بالشريف الصقلي نسبة الى صقليه التي أقام فيها منذ أن استدعاه الملك روجر الثاني لرسم الخريطة.
ولد الادريسي بمدينة سبته المغربية عام 493 ه/ 1100 م
عام 533ه/ 1138 م دخل الادريسي الى صقلية بدعوة من الملك روجر الثاني
بقي الإدريسي مقرب من الملك روجر الثاني منذ أن اتصل به الى وفاته عام 1145 م، نتيجة مرض عضال كان ميؤوس من شفائه
لم يعرف بدقة حياة الادريسي في المدينة التي نشأ فيها. لكن يعرف بأنه انتقل الى قرطبة وتعلم فيها، وقام بالكثير من الرحلات الى بلاد المغرب وهذا أدى الى اكتسابه خبرات واسعة.
ألف كتاب “نزهة المشتاق” عندما دعاه الملك روجر الثاني الى صقلية. وكان أنذاك يشجع العلم والعلماء واستطاع ان يصنع الكرة الأرضية الفضية، والكثير من الخرائط والمصورات.
لم يكتف الإدريسي فقط بالجغرافية، بل عُرف عنه اهتمامه الكبير بالصيدلة والنباتات والطب، وكان له ذوق في الأدب والشعر والحديث، وله الكثير من المؤلفات مثل “روض الأنس ونزهة النفس”.