على مدار السنوات الأربع الماضية وخلال زيارات متعددة إلى مستشفيات إمارة أبوظبي، منها ما هو شخصي وأخرى لعيادة أقارب، تعرفت على العديد من الكوادر الوطنية والعربية المتخصصة في الرعاية الصحية لا سيّما التمريض. وجامع تلك الكوادر أنها تخرجت من الصرح الإماراتي المتميز “كلية فاطمة للعلوم الصحية”. والكلية هي امتداد لرؤية وجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك “أم الإمارات” حفظها الله، وقد لمست هذه الجهود شخصيا حيث كنت من الدفعات الأولى للبذرة الأساس لرؤيتها حفظها الله في تطوير مهنة التمريض وهذه البذرة هي “مدرسة أبوظبي للتمريض”. بل كان لي شرف التكريم من سموها شخصيا حيث رعت حفل تخريج الدفعة الأولي للمدرسة والتي كانت نتاج تعاون أكاديمي وإداري من الدرجة الأولى مع “الجامعة الأمريكية في بيروت”.
واعتمدت “مدرسة أبوظبي للتمريض” في سبيل تطوير مهنة التمريض مناهج تلبي حاجة قطاع الصحة في الدولة على وجه دقيق فمثلا ركّزت مناهجها على تمكين خريجاتها من إتقان اللغتين العربية والإنجليزية. فاللغة العربية ضمنت تعزيز الهوية الأصيلة في الميدان العملي والتواصل بشكل متكامل وواضح مع المراجعين والمرضى العرب ممّا يدل على شمولية الرؤية التي وراءها وأن أهدافها لم تكن وقتية وإنما على المدى البعيد. ورغم تشعب دروبي بعد ذلك في طلب العلم والتطور المعرفي إلا أن أسس التحصيل العلمي واللغوي لي من مدرسة التمريض ساهمت بشكل كبير في تشكيل هويتي كباحثة سعت إلى أعلى درجات التحصيل العلمي وهي الدكتوراه. وهذا دليل متانة التأسيس العلمي الذي حرصت عليه سمو الشيخة فاطمة في رؤيتها لتطوير التمريض كأحد العلوم الصحية المهمة واللازمة لضمان الرخاء في أي مجتمع.
ومن علامات سداد تلك الرؤية استمراريتها حيث عكست الكوادر الوطنية التي التقيت بها في العديد من مستشفيات إمارة أبوظبي قدرا كبير من التمكن من مصطلحات التخصص مع حضور ذهني في ترجمتها إلى العربية لضمان فهم المراجع أو المريض لها. إضافة إلى المهارات الشخصية والمهنية في التعامل دون فقد اللمسة الإنسانية التي لا تستغني عنها أي مهنة فما بالنا بمهن تخدم الإنسان في أضعف حالاته. وما أجده أهم من ذلك كله هو تمكن تلك الكوادر من الربط العلمي بين دقائق الحالة الصحية للمريض وسرعة البديهة في النصح بما يساعد في التخفيف من وطأة المعاناة المعنوية والجسدية إن أمكن. وهذه ملاحظات رصدتها عبر محادثات مطوّلة ومعاينة مباشرة للكثير من المواقف. وبحكم اطلاعي على مدى فترات زمنية طويلة بتطورات التعليم والأداء المهني للتمريض في إمارة أبوظبي فأنا لا أملك سوى أن أفخر بهذا التطور الاستثنائي لقطاع الصحة في الإمارة واستمرارية الرؤية القيادية لها على مدى سنين مديدة ومثمرة.