نشترك نحن البشر في نقطة ضعف دفينة وعلة نفسية هي رغبتنا الدائمة في الشعور بالعظمة ونتفوق على محيطنا أما في الذكاء أو الجمال أو الجاذبية ومحبة الناس أو حتى في الطهر والتدين والتقى والصلاح والنبل .
آثار الشعور بالعظمة تتناقض مع النسبة والتناسب الطبيعين ، فيرى الإنسان نفسه مضخمة متعاظمة ويغرق في نرجسية عميقة وتكون تلك هي العدسة التي يرى العالم من خلالها ، لكن مع الأسف من الصعب أن ندرك هذه الميول في أنفسنا لأنها بطبيعتها تغير إدراكنا للواقع وتصعب مهمتك في تقييم النفس تقييماً دقيقاً وموضوعياً .
عندما يترافق هذا الولع بالعظمة مع قدر من النجاح قد يدفعك إلى الانشغال بالهتافات والتطبيل وتقدير مبالغ فيه لذاتك الفائقة ومبالغة في تقدير مهارتك يدفعك إلى خوض تحديات غير محسوبة والاندفاع إلى ماوراء حدودك المفروضة، متناسياً أن النجاح معادلة تضاف فيها مهارتك إلى توفيق من الله تعالى وتوقيت مناسب ومساهمات من الآخرين وموافقتك لميول الناس ومزاجهم العام ، فيغدو النجاح غشاوة على قلبك وعقلك وتصبح بذلك أكثر تجاوباً مع الأنا داخلك ومع خيالاتك منه مع شركاءك الذين تعدهم كأدوات تستخدمها وقوداً لنجاحاتك .
يرى بعض المحللون النفسيون أن الشعور بالعظمة يعود إلى السنوات الاولى في الحياة، حيث يرتبط الأطفال بأمهاتهم بصورة كاملة ولا يدركون انفصال هويتهم ، فتلبية الأم واستجابتها السريعة لأي إشارة جوع أو ألم يصدرها الرضيع تشعره إنه يمتلك قوة سحرية تمكنه من التحكم بأمه ، لكن تدريجياً وعندما ينتقل إلى طور آخر في الحياة ويدرك إن لأمه هوية منفصلة عنه وإن لها اهتمامات ومشاغل غيره ، يدرك ضعفه الذي يؤلمه ويكسبه حاجة عميقة لفرض وجوده والتشبث بقوى لايملكها.
وكلما زاد إدراك الإنسان فهم بعمق صغر حجمه في كوكب يغص بمليارات البشر غيره ، أدرك محدوديته واحتجازه في حيز الزمان والمكان وقصر عمره وفكرة مآله إلى الموت وسرعة نسيان أحباءه له ، كل ذلك اضافة الى فكرة الانفصال عن الأم التي واجهها في الثالثه أو الرابعة من عمره وظلت عالقة في اللاوعي يجعله يتشبث بأي طريقة يتصور بها تفوقه وتساعده في إنكار لحظات شعر فيها بصغر شأنه.
ولع الإنسان بالعظمة يتجلى في صور مختلفة ، فمن الناس من يسعى لإثبات عظمته بمكانه اجتماعية مرموقه ، أو حياة مهنية متميزة ، وإذا فشل في ذلك تجده يعوض ذلك بالمخدرات والمسكرات والتملك والتكديس أو السخرية والحط من شأن غيره ، كأنه متخم بلوثة من الخبل تجده يعدد إنجازاته حيناً ويقع صريعاً للاكتئاب أحيانا أخرى.
ومن الناس من يسبغ صفات مثالية على الزعماء والقادة أو حتى الأشخاص الذين يحبهم في حياته ويميل للخضوع لهم ، لأنه يعتقد بشكل لاواعي أن اتصاله بشخص عظيم يسبغ عليه قدراً من العظمة وكأن شيئاً منها سيرتد عليه.
هناك من البشر من يمارس صورة سلبية من ولعه بالعظمة، فتراهم يظهرون تواضعهم بشكل مسرحي ويترفعون عن الامتلاك ويزعمون أنهم لا يهتمون بالسلطة أو الأموال بل هم سعداء بحظ قليل من الدنيا ودون أن يستبصر أن دافع تلك الممارسات ( تواضع مولع بالعظمة) ومحاولة للفت الانتباه والشعور بتفوق أخلاقي على باقي البشر !!!.
ستجد بين الناس صورة سلبية أخرى ( الضحية المولعة بالعظمة) هؤلاء الأشخاص يميلون للوقوع في أسوأ العلاقات العاطفية ويضعون أنفسهم في مواقف صعبة يكونون متيقنين من سقوطهم فيها ومعاناتهم منها ، فهذا الشخص في أعماقه يميل لصنع مسرحية تحوله إلى ضحية، شعوره بالتظلم وسوء الحظ يمنحه شعوراً بالتفوق فهو متفوق في معاناته!!!
إذا كان الولع بالعظمة فطرة راسخة في طبيعتنا، فالنحافظ على مستويات معتدلة منه ، ولنتفوق على الوجود المبتذل للإنسان ونسعى للقيم النبيلة والأهداف العظيمة ونجعل العظمة مرتبطة بإنجازاتنا الحقيقية لا بخيالات وانطباعات مشوة عن أنفسنا وواقعنا ،
فحضورنا يتعاظم نتيجة أعمالنا ومساهماتنا في مجتمعاتنا .
تسامى عن الواقع المادي واتحد مع روحك فما يستحق التعظيم ليس حضورك المادي المتواصل وإنما نضوجك الروحي والعاطفي ، لا تستسلم لضآلتك ولا تنزعج من محدوديتك بل ابتهج بأنك قطرة في هذا المحيط الرحيب .