القاهرة (د ب أ)-
بينما تنصب جهود العديد من الأطراف المعنية على التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب التي تشنها إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر ضد حركة حماس وأذرع إيران في المنطقة وثنيها عن اجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تواترت تقارير إعلامية تنذر بدخول الشرق الأوسط منعرجا خطيرا حذر الكثيرون من تبعاته منذ اللحظة الأولى للهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في تشرين أكتوبر/الأول، ألا وهو اتساع رقعة الصراع.
وعندما يأتي الحديث على لسان مسؤولين في الإدارة الأمريكية وآخرين في استخباراتها، فلا يجب النظر إلى مثل هذه التقارير إلا بعين الترقب والحذر، فشبكة “سي إن إن “الإخبارية أشارت إلى “تزايد القلق بين مسؤولي (الرئيس الأمريكي جو بايدن) من احتمال قيام إسرائيل بعملية برية في لبنان”.
وذكرت “سي إن إن” ، أن إسرائيل تخطط لمثل هذه العملية وأنها ربما تنطلق في أواخر الربيع أو مع بداية فصل الصيف “حال فشل الجهود الدبلوماسية في دفع حزب الله إلى التراجع عن الحدود الشمالية مع إسرائيل”.
وبينما لم يتخذ قرار إسرائيلي نهائي في هذا الصدد، تتنامى المخاوف بصورة كبيرة داخل إدارة بايدن لدرجة جعلت احتمال التوغل البري يأخذ طريقه إلى الإحاطات الاستخباراتية لمسؤولين بارزين في الإدارة، بحسب “سي إن إن”.
وقال مسؤول في الإدارة الأمريكية: “نحن نعمل على افتراض حدوث عملية عسكرية إسرائيلية خلال الأشهر المقبلة… ليس بالضرورة وشيكا في الأسابيع القليلة القادمة لكن ربما في وقت لاحق هذا الربيع. إن عملية عسكرية إسرائيلية احتمال واضح”.
وتأتي هذه التقارير بعد أيام من تطور وصف بالأخطر منذ بداية موجة التصعيد الحالية بين إسرائيل وحزب الله، حيث شنت الأولى يوم الإثنين غارتين جويتين على الأقل استهدفتا محيط مدينة بعلبك التي تعد معقل حزب الله الرئيسي في شمال شرق لبنان، لأول مرة منذ حرب عام 2006.
وجاء هذا التصعيد بعد أشهر من الهجمات اليومية القاتلة عبر الحدود من قبل الطرفين، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان اللبنانيين والإسرائيليين من منازلهم الحدودية. وأطلقت إسرائيل نيران مدفعيتها وأطلقت طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار لضرب أهداف في الجانب اللبناني، بينما استخدم حزب الله بعض ترسانته الهائلة من الصواريخ والقذائف.
وبالتوازي مع إجراء الولايات المتحدة ، الوسيط الرئيسي في المناقشات الجارية جهود بشأن وقف القتال في غزة، تقود إدارة بايدن أيضا مساعي مع المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين بهدف إقامة منطقة عازلة بعرض أميال داخل جنوب لبنان. ويعتقد المسؤولان الأمريكيان أن هذا الاتفاق من شأنه أن يؤجل على الأرجح التوغل الإسرائيلي، وفقا لـ”سي إن إن”.
وذكرت الشبكة الإخبارية الأمريكية أن أحد المسؤولين “سمع آراء متباينة داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن ضرورة الذهاب إلى لبنان”، ونقلت عنه قوله: “أعتقد أن ما تفعله إسرائيل هو أنها تثير هذا التهديد على أمل التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض”.
كما نقلت “سي إن إن” عن مسؤول آخر في إدارة بايدن أن “هناك عناصر داخل الحكومة والجيش الإسرائيليين تؤيد التوغل. هناك مجموعة متنامية تقول: مرحبا، دعونا نجرب فقط. دعونا نفعل ذلك فحسب”، مضيفا أن أي توغل قد يؤدي إلى “تصعيد كبير جدا لا نعرف حتى أبعاده”.
وأمام هذه التطورات التي تشي بإمكانية تفجر الوضع، كلف البيت الأبيض المبعوث الخاص عاموس هوكستين لقيادة الجهود الرامية إلى إيجاد حل دبلوماسي، وربما جاء اختيارهوكستين ، الذي يعمل عادة كمستشار كبير للطاقة، للاستفادة من خبرته وعلاقاته بعد أن توسط في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان للتنقيب عن الغاز.
ورأى أحد مسؤولي الإدارة الأمريكيين أنه في حال نجاح جهود عاموس، فإن “احتمال القيام بعملية عسكرية في وقت لاحق من هذا العام سوف ينخفض إلى حد كبير”. وأضاف أنه “إذا تم دفع حزب الله للخلف حوالي 10 كيلومترات، فإن ذلك من شأنه إزالة بعض الذخائر قصيرة المدى التي كان يستخدمها ضد إسرائيل”.
وأشارت “سي إن إن” إلى أن هوكستين أجرى “مناقشات معقدة بسبب حقيقة أن في لبنان لا تتعامل الولايات المتحدة بشكل مباشر مع حزب الله، الذي يعد أقوى قوة عسكرية في البلاد وتعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية”.
ويقر مسؤولون إسرائيليون بأن الحرب مع حزب الله ستكون أكثر كلفة وتدميرا لإسرائيل من الحرب الحالية مع حماس، نظرا لحجم ترسانة حزب الله وطبيعتها الأكثر تقدما.
ونقلت “سي إن إن” عن مسؤول إسرائيلي قوله إن “إسرائيل على استعداد لمنح الدبلوماسية فرصة وتأمل أن تنجح… إذا لم يتم حل الأمر دبلوماسيا، فسيتعين على إسرائيل أن تفكر في وسائل بديلة”.
ويرى مسؤولون أن تل أبيب لا تبحث عن مجرد ترتيب يدفع حزب الله للتراجع لعدة كيلومترات، ومن ثم فهي ترى أن القيام بعملية برية وتدمير البنية التحتية المادية لحزب الله في الجنوب، من شأنه على الأقل إبطاء العودة المستقبلية إلى المنطقة الحدودية.
ورأى أحد المسؤولين الأمريكيين بحسب “سي إن إن” أنه في حال عدم القيام بتلك العملية “فيجب ملء المنطقة العازلة بقوات من القوات المسلحة اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل).
وبينما تظل التطورات مفتوحة على كل الاحتمالات، يرى كثيرون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه مصلحة في تمديد القتال لأن إنهاء الصراعات قد يؤدي إلى نهاية حكومته وستثار التساؤلات بشأن “فشله” في حماية إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين اللذين نقلت عنهما “سي إن إن”: “بمجرد انتهاء الحرب، سيكون تاريخ انتهاء صلاحيته قد حل، لذلك فهو (نتنياهو) بحاجة إلى الإبقاء على الانطباع، والحفاظ على الرواية القائلة إن إسرائيل لا تزال في منتصف الحملة، لمحاولة درء الجهود الرامية إلى إزاحته”.
كما قال المسؤول البارز الآخر في الإدارة الأمريكية: “أعتقد أن غالبية الأشخاص المسؤولين في كلا الجانبين لا يريدون التصعيد ويريدون حلا (دبلوماسيا) يسمح لنا بوقف التصعيد، لكن هؤلاء ليسوا هم الذين يتصدرون المشهد دائما”.
على الجانب الآخر ذكرت قناة (آي 24) العبرية أن حزب الله طلب من إيران زيادة إمداداتها له بالصورايخ والطائرات المسيرة، تحسبا لقيام إسرائيل بعملية برية.
واستشهدت القناة العبرية بما ذكره موقع “عربي بوست” الإخباري التركي عن منح الحرس الثوري الإيراني حزب الله الضوء الأخضر لتصعيد الهجمات على إسرائيل حال شنها عملية برية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
ونقل “عربي بوست” عن مصادر إيرانية وأخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني، أن تلك التعليمات صدرت من قبل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، إسماعيل قاآني، إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عندما التقيا في بيروت في وقت سابق من هذا الأسبوع.
ووفقا للموقع، رأى قاآني خلال الاجتماع أن ثمة حاجة للاستعداد لعملية إسرائيلية واسعة النطاق محتملة في لبنان.
وتبقى التهديدات الإسرائيلية بالاجتياح البري هي السيناريو الأخطر في موجة التصعيد الأخيرة، سواء كان التحرك نحو مدينة رفح، وما قد يترتب عليه من تداعيات حذر منها الكثيرون، أو ضد لبنان الذي يمر بواحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية في العالم.