صيام رمضان بين الماضي والحاضر -1

بقلم : إبراهيم المحجوب - العراق - الموصل

كانت قريتنا تعتبر من القرى النائية رغم إنها تبعد عن مركز مدينة حمام العليل عشرة كيلو مترات تقريباً وتبعد عن نهر دجلة أقل من اثنين كيلومتر الا أن الحياة في سبعينات القرن الماضي كانت بدائية في عموم مناطق الريف العراقي…

لم يكن في قريتنا مسجد حيث إن المسجد الوحيد كان في القرية الملاصقة لقريتنا والقريتان يعرفان باسم واحد هو قرية العين واصفيه ولذلك كنا نعاني نحن أبناء قرية العين في رمضان من سماع صوت المؤذن وهو يعلن موعد الإفطار فكان الحاج محمد الفرج رحمه الله هو الشخص الذي يتولى مهمة الأذان في القرية خلال شهر رمضان المبارك وكنا نتجمع قرب منزله وقت الغروب ننتظر سماع الآذان لأنه لاتوجد مكبرات للصوت في حينها ونذهب مسرعين الى منازلنا ونحن فرحين بساعة الإفطار المبارك…

كانت موائد الفطور في ذلك الوقت محدده بأنواع الغذاء الموجود فيها فتجد فيها نوع واحد في أغلب الأحيان ولكنه كان من ألذ وأطيب المأكولات لأننا كنا نعيش في زمن الحرمان…
وفي نهار كل يوم رمضاني ينظر بعضنا الى لسان الآخر ليرى إن كان صائماً أم لا فمن كان لسانه يميل الى البياض فهذا كان صائم ومن كان العكس فيعتبر من الأشخاص المفطرين..

كان أطيب شيء في تلك الأيام هو المحبة والإلفة بين أهالي القرية حيث بقومون بدعوة بعضهم البعض على مائدة الافطار فيقوم صاحب الدعوة بنحر خروف من الغنم أو جدي من الماعز ويقوم بدعوة رجال القرية كافة والذين لا يتجاوزون العشرين أو الثلاثين شخص ويقدم لهم الأكل في المناسف والتي تسمى في زماننا هذا بالتشريب الأبيض وبما أننا كنا من الصائمون رغم صغر أعمارنا فاننا نجلس مع الكبار ونشاركهم الوليمة لأننا تعودنا في الأيام الأخرى غير الرمضانية ننتظر الوجبة الثانية حتى نأكل…

وإذا كان صاحب الدعوة موظف حكومي في المسلك المدني أو العسكري فإنه يقوم بتقديم التمور قبل الأذان وربما بعض الحلويات الوحيدة التي عرفناها بذلك الزمان
(( الزلابياالبيضاء))..

كان الماء البارد في الصيف قليل وشحيح حيث كانت هناك سيارة من إحدى القرى المجاورة يقوم ببيع مادة الثلج والذي يجلبه من المدينة الى القرية وكانت طريقة الشراء هي اشتراك شهري وكنا نذيب بعض قطع الثلج في الماء قبل الإفطار ليصبح بدرجه برودة معينه نشربه أثناء الفطور..
لم نكن في حينها نصل في الأكل على وجبه الإفطار الى التخمة لأن الأكل كان محدود ولم نعرف الحلويات وأنواع الشربت لأنها كانت بالنسبة لنا بعيدة المنال….