مرئيات

“فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا” النصر:(3)

التفسير: فسبّح بحمد ربّك : فـنـزّهْهُ تعالى ، حامِدًا له.
كان توّابا : كثير القبول لتوبة عباده.
وإذا وقع ذلك فتهيأ للقاء ربك وذلك بالإكثار من التسبيح بحمده والإكثار من استغفاره، إنه كان توابًا على المسبحين والمستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم ويقبل توبتهم.
وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح، فأمر رسوله أن يشكر ربه على ذلك، ويسبح بحمده ويستغفره، وأما الإشارة، فإن في ذلك إشارتين: إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين ، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله، فإن هذا من الشكر، والله يقول: “لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمرًا، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه، ما لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلاهم الله بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل.”ومع هذا”، فلهذه الأمة، وهذا الدين، من رحمة الله ولطفه، ما لا يخطر بالبال، أو يدور في الخيال.وأما الإشارة الثانية، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا، ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل أقسم الله به.وقد عهد أن الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار، كالصلاة والحج، وغير ذلك.فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه.فكان صلى الله عليه وسلم يتأول القرآن، ويقول ذلك في صلاته، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ” سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي “.
تدبر الآية: فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.
إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يؤمَر بالاستغفار، فما الظنُّ بغيره ممَّن دَيدَنُه الزَّلَل والعصيان؟ من أعظم التوفيق أن تُهدى إلى توبةٍ نصوح واستغفارٍ صادق، لتَلقى ربَّك طاهرًا مطهَّرًا من كلِّ ذنب، راضيًا مرضيًّا.
أكثِر أيها العبدُ من الاستغفار في كلِّ آن، خصوصًا في خواتيم المجالس؛ جَبرًا لما قد يَنِدُّ عنك من خطَلٍ وزلَل، واعترافًا بالعجز والفقر لله تعالى.
التسبيح لله تنزيهٌ وطاعة، والاستغفار اعترافٌ بالذنب وبراءة، فاجمع بينهما يكتمِل قِوامُ دينك، وتفُز بالرِّضا والسعادة.
والمعنى: إذا أتم الله- عليك- أيها الرسول الكريم- وعلى أصحابك النصر، وصارت لكم الكلمة العليا على أعدائكم، وفتح لكم مكة، وشاهدت الناس يدخلون في دين الإسلام، جماعات ثم جماعات كثيرة بدون قتال يذكر.
إذا علمت ورأيت كل ذلك، فداوم وواظب على تسبيح ربك، وتنزيهه عن كل مالا يليق به شكرا له على نعمه، وداوم- أيضا- على طلب مغفرته لك وللمؤمنين.
إِنَّهُ عز وجل كانَ وما زال تَوَّاباً أى: كثير القبول لتوبة عباده التائبين إليه، كما قال- سبحانه -: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ.
نسأل الله-تبارك وتعالى- أن يجعلنا من عباده التائبين توبة صادقة نصوحا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى