مرئيات

صيام رمضان بين الماضي والحاضر – 3

بقلم : إبراهيم المحجوب - العراق - الموصل

كانت النساء تجهز وجبة الإفطار وعملها أشبه اي وجبة عشاء عادية لأن أنواع الطعام لم تكن متوفرة كما ذكرنا سابقاً وكانت أغلب العوائل تعتبر وجباتها الرئيسية هي مادة البرغل ومشتقاته أو وجبة من الرز ولم تكن وجبة اللحوم متوفرة دوماً لأن في كل قريه يوجد قصاب واحد ويقوم بذبح أحد العجول بين الحين والآخر وحسب طلب وقدرة أهل القرية على الشراء…

كنا نذهب أحياناً الى نهر دجلة القريب من قريتنا وخاصة في موسم الصيف للسباحة في النهر ثم نعود عصراً متعبين عطاشى رغم أننا كنا قرب نهر دجلة وكنا نترقب وقت غروب الشمس بفرحة لا توصف لان الجوع قد أنهكنا والعطش بسبب الصيام وحتى لا يفوتني أن أذكر أن من الأكلات الموجودة في كل رمضان في الماضي هي وجبة العدس واحيانا وجبة من الطرشانه أو ما تسمى في مصطلحاتنا ((القيسي)) وربما يستغرب هذا الجيل عندما نتكلم عن الأكل والنوع الواحد في وجبة الفطور لكن القناعة والإيمان بأن رمضان هو شهر للعبادة وللطاعة الربانية…

كانت النساء تقوم بتجهيز مادة الخبز أما في الساعات الأولى من النهار أو كما يسمونها برد الصباح أو أحياناً قبل الفطور بوقت قصير على ذلك التنور الطيني وتجد رائحة خبز الحنطة تفوح بعطرها إلى الجيران…

بالنسبة للمدارس كان الدوام طبيعي جداً ولا يوجد عطلة الا يوم الجمعة وربما المدرسة باكملها من هيئة تدريسية وطلاب تجدهم صائمون هذا الشهر الفضيل .
أما في المدينة وحسب ما كنا نسمع من كبار السن فكان هناك مفارز من الشرطة لملاحقة الأشخاص الذين يفطرون بصورة علنية وكذلك واحتراماً لهذا الشهر فإن جميع المطاعم في المدينة يتم غلقها ما عدا ربما مطعم واحد تمنحه الدولة الإجازة الرسمية…

كان أبناء القرية يجتمعون بعد صلاه العشاء وهم يمارسون لعبه شعبية تسمى ((المحيبس)) ويشكل فريقين بينهم وتجد أصوات الشباب الذين يقومون باللعب عالية عندما يفوز أحدهم ويصرخ بكلمة ((بات))…

ويبقى رمضان وجوعه وعطشه الشديدين عندما يأتي في موسم الحصاد فكان الله في عون أهل القرى والأرياف فتجد الرجال يذهبون إلى حقولهم لحصاد محصولها وبالطريقة اليدوية ثم تقوم النساء بجمع ما قاموا بحصاده وحمله على ظهرها وإيصاله الى مكان يجمع فيه المحصول ويسمى ( بيدر) وكانوا يقومون بعملية عزل الحبوب من السنابل بطريقة بدائية من خلال الة تسمى (جرجر) تسحبها الحيوانات التي تدور حول البيدر لسحق المحصول وبعدها يتم تصفية الحبوب عن الشوائب وبما ان موسم الحصاد يكون في فصل الصيف فان الصيام أثنائه يرافقه عطش شديد وتعب لا يوصف وكان الله في عون الحواصيد الصائمين في تلك الايام والسنين…

رحم الله زماننا الذي عشناه قبل أكثر من خمسين سنه وها نحن اليوم نعيش زمانا آخر…
رمضان كريم أعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى