The53rd Eid Al Etihad Logo
أخبار عربية ودولية

بوتين يتجه بثقة للفوز بفترة رئاسية جديدة

موسكو/ القاهرة (د ب ا)-

لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واثقا من فرص فوزه بنزاهة كاملة في الانتخابات مثلما هو اليوم، ولم يكن الشعب الروسي يشعر بالرغبة الكاملة لاستمرار بوتين في الحكم مثلما هو اليوم ؛ حيث يستدل على ذلك من نتائج استطلاعات الرأي التي تؤكد من جانبها أن غالبية الشعب الروسي تؤيد بقاء بوتين على رأس السلطة، وأنه لا يحتاج بأي حال من الأحوال لأية ألاعيب فنية أو سياسية، سواء لتعزيز شعبيته أو التأثير على فرص المرشحين المنافسين له.
وقبل استعراض نتائج استطلاعات الآراء سواء عشية الانتخابات الحالية أو على مدار السباقات الانتخابية السابقة، هناك حاجة لتذكر التطور التاريخي للعمليات الانتخابية الرئاسية في روسيا.

تاريخ الانتخابات الرئاسية في روسيا

استحدث منصب رئيس الجمهورية في روسيا في آذار/مارس من عام 1991، ومنذ ذلك التاريخ أجريت في روسيا الانتخابات العامة لاختيار رئيس الدولة سبع مرات منذ 1991 وحتى 2018 ولم يشهد أي منها جولة ثانية سوى في عام 1996.

كما يلاحظ أن الفترات الرئاسية ذاتها تبدلت على مدار السنوات؛ حيث كانت الفترة الرئاسية في أول انتخابات تمتد لخمس سنوات، ثم جرى تعديلها لتصبح أربع سنوات في الفترة من 1996 وحتى 2008 وفي عام 2008 تم تعديل الدستور الروسي لتصبح الفترة الرئاسية ست سنوات بدءا من عام 2012.
وأجريت أول انتخابات في روسيا في 12 حزيران/يونيو عام 1991 حيث تعين على الناخبين وقتها التصويت لشخصين معا؛ وهما من سيتوليان منصب رئيس الدولة ومنصب نائب رئيس الدولة حيث لم تتكرر هذه التجربة في أية انتخابات في روسيا فيما بعد، ولم يتم العودة مجدداً لتجربة تخصيص منصب لنائب رئيس الدولة في روسيا من وقتها.وفي تلك الانتخابات فاز بوريس يلتسين بالمنصب بنتيجة 3ر57% حيث يؤكد الخبراء أن تلك الانتخابات تعتبر هي الأكثر نزاهة وحرية في تاريخ الحياة السياسية الانتخابية في روسيا.
وفي عام 1996 جرت الانتخابات وسط جو يسوده التوتر الشديد بسبب سخط الشعب على الإصلاحات التي تجرى، وتردي حالة البلاد بشكل كبير حيث شهدت الانتخابات ترشح عدد كبير من أهم وأكثر رجال السياسة في روسيا شعبية وكان من أبرزهم وقتها ميخائيل جورباتشوف الذي سعى للعودة مجددا للحكم وسط فقدان يلتسين لشعبيته بشكل كبير ، إلا أن المفاجأة هي أن أحدا من هؤلاء الساسة لم يحصل على النتيجة اللازمة للفوز بالمنصب، واضطرت لجنة الانتخابات لإجراء جولة ثانية بين أكثر اثنين حصلا على الأصوات وتبين أنهما بوريس يلتسين الذي يعاني من الكثير من المشاكل وجينادي زيوجانوف زعيم الشيوعيين الذي حصل في الجولة الأولى على نسبة 03ر32% مقابل 28ر35% ليلتسين، وبطبيعة الحال خشي الناخبون من العودة إلى الشيوعية من جديد ففضلوا منح أصواتهم ليلتسين رغم ثقتهم في فشله وحصل يلتسين في الجولة الثانية على 82ر53%.
كان من المفترض إجراء الانتخابات الثالثة في روسيا في تموز/يوليو من عام 2000 إلا أن يلتسين فاجأ الجميع بالاستقالة والتنازل عن الحكم لصالح رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي لم يكن من الشخصيات المشهورة أو ذات الشعبية في روسيا وقتها لذلك أجريت الانتخابات في آذار/مارس من عام 2000 ، وظن الكثير من رجال وسيدات السياسة أنها فرصة جيدة للفوز بالمنصب لذلك ترشح في هذه الانتخابات عدد كبير من أهم رجال السياسة والاقتصاد في روسيا لكن فاز بوتين في هذه الانتخابات بالمنصب بنسبة 94ر52%؛ حيث لايرتبط هذا الفوز بشعبية بوتين ولكن بفقدان الناخبين لثقتهم في النخبة السياسية بأكملها.
والحقيقة ان بوتين قد برر آمال الناخبين وتعطشهم للاستقرار والأمن وتحسين مستوى المعيشة لذلك لم يجد مشقة في الفوز في انتخابات عام 2004 والتي حصل فيها على نسبة 31ر71%، وهي نسبة تعكس واقع شعبية بوتين التي ربما تفوق هذه النسبة إلى جانب سيطرة السلطات على كافة العمليات السياسية في الدولة حيث يلاحظ في تلك الانتخابات أن عدد المنافسين لبوتين بلغ خمسة أفراد وهو أقل عدد منافسين في السباق الانتخابي في روسيا إلى جانب أنهم من المقربين للسلطة رغم تصنيفهم الرسمي بالمعارضة.
وبذلك يكون بوتين قد قضى في الحكم فترتين رئاسيتين وحتى يثبت التزامه بالقانون قرر عدم خوض انتخابات عام 2008 والسماح لأحد المقربين منه بخوض الانتخابات حيث كان هناك شخصان يحظيان بثقته العالية وهما ديمتري ميدفيدييف رئيس الديوان الرئاسية وسيرجي إيفانوف وزير الدفاع إلا أنه فضل الاعتماد على ميدفيدييف الذي حرص بوتين على ألا يواجه منافسة كبيرة في الانتخابات حيث لم يترشح امامه سوى ثلاثة شخصيات من المعارضة المقربة من السلطة وحصل وقتها على نسبة28ر70% .
وعاد بوتين ليترشح مجددا في عام 2012 حيث لم يجد منافسة قوية وكان المرشحون هم ذاتهم المرشحون التقليديون أمامه، ولم يزد عددهم عن أربعة ووقتها حصل بوتين على نسبة 6ر63% ، إلا أن أكثر ما كان يميز تلك الانتخابات هو أنها جرت وسط مطالب متصاعدة من الناخبين بضرورة التجديد وإتاحة الفرصة لدماء جديدة لتولي الحكم لذلك فوجئ الجمبع بمرشح جديد في تلك الانتخابات وهو ميخائيل بروخوروف رجل الأعمال والملياردير الروسي الشهير وهو شاب مفعم بالحيوية وربما كان ليحظى بفرص أفضل في ظروف مغايرة حيث لم يحصل في هذه الانتخابات سوى على نسبة 98ر7% وهي نسبة لا تعكس مطلقا شعبية الرجل ، ولكن الأهم هو أنه توارى عن الأنظار فيما بعد ، ولم يعد له نشاط يذكر.
وفي عام 2018 أجريت الانتخابات في روسيا وسط مشاركة كبيرة من المرشحين أمام بوتين حيث وصل عددهم سبعة مرشحين بما في ذلك التقليديين منذ بداية الانتخابات إلى جانب شخصيات جديدة ولكن تتمتع بشهرة كبيرة، وفي هذه الانتخابات حصل بوتين على نسبة 7ر76% ؛حيث يلاحظ خلال تلك الانتخابات استعادة بوتين لثقته العالية في النفس على جانب ارتفاع شعبيته بسبب حالة المواجهة التي بدأت تعيشها روسيا مع الغرب وعدد من الدول المحيطة بها.
انتخابات 2024 والثقة المطلقة لبوتين
أجرى المركز الروسي لدراسات الرأي العام استطلاعا للآراء حول فرص المرشحين في الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستجري في الفترة 15-17 آذار/مارس الجاري حيث حصل الرئيس الحالي فلاديمير بوتين فيه على نسبة 83% بينما أقرب منافسيه لم يحصل سوى على 30%.
والحقيقة ان هذه المؤشرات تعكس الواقع الحقيقي لشعبية المتنافسين في الانتخابات في روسيا، حيث أن بوتين في ظل الانتصارات التي يحققها على جبهة القتال في أوكرانيا تتزايد شعبيته بمعدلات عالية ، خاصة وان الناخبين في روسيا لا ينظرون إلى هذه الحرب على أنها بين روسيا وأوكرانيا وإنما بين روسيا والغرب بأكمله ، كما يرون أن بوتين تمكن بالفعل من إثبات وضع الدولة العظمى لروسيا ، ونجح في قيادة الدولة وسط الأحداث العاصفة في السنوات الأخيرة بنجاح كبير بحيث فشلت كافة السياسات الغربية في كبح جماح الصعود الروسي ، ووسع بوتين كثيرا من دائرة أصدقاء بلاده وأصبح الجميع يسعى للتقرب من روسيا التي تمتلك اقتصادا كبيرا لا يمكن لاحد إنكاره ، ناهيك عن القدرات العسكرية التي تضاهي قدرات أوروبا مجتمعة.
وفي الانتخابات المنتظرة وصلت شعبية بوتين وفقا للمركز المشار إليه أكثر من 80% وذلك مقارنة بأول استطلاع للآراء حول شعبية بوتين وقد أجراه ذات المركز في عام 2000 حيث كانت شعبية بوتين وقتها تتراوح ما بين 53 و55% وكان أقرب منافس في الشعبية منه هو زعيم الشيوعين جينادي زيوجانوف بنسبة تنراوح ما بين 22 و24%.
والحقيقة أن من يتابع نتائج استطلاعات الآراء في روسيا قبيل المواسم الانتخابية الرئاسية سوف يلاحظ أنها قريبة جداً من نتائج التصويت، وهي تعكس أقرب صورة حقيقية للواقع خاصة وان الانتخابات القادمة في روسيا هي التي ستحدد اتجاهات مستقبل هذه الدولة لأنها عمليا الأخيرة للرئيس الحالي الذي ألمح في تصريحاته الأخيرة بأنه سيعمل على تشكيل نخبة جديدة للدولة تتوفر فيها القدرة والحنكة على قيادة دفتها نحو المستقبل، وهو ما يعني أن بوتين سوف يطرح أمام المواطنين في الفترة القادمة المرشحين الذين سيخلفونه في الحكم والقيادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى