سان فرانسيسكو-(د ب أ):
تكافح الأشجار لامتصاص ثاني أكسيد الكربون الذي ترتفع معدلاته في الغلاف الجوي حالياً بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، لاسيما في الأجواء الأكثر حرارة وجفافا، بمعنى أنه قد لا يصبح بمقدورها مستقبلا أن تكون هي الحل للبصمة الكربونية المتزايدة الناجمة عن أنشطة البشر، في ظل استمرار حرارة كوكب الأرض.
وكشفت دراسة نشرتها الدورية العلمية Proceedings of the National Academy of Sciences أن الأشجار في الأجواء الحارة تعيد ضخ ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسب أعلى كثيرا مقارنة بالأشجار التي تنمو في المناطق الباردة”. ويقول الباحث ماكس لويد المتخصص في الجيولوجيا ورئيس فريق الدراسة: “لقد وجدنا أن الأشجار التي تعيش في المناطق الأكثر حرارة وجفافا هي في حقيقة الأمر تسعل بدلا من أن تتنفس”.
خلال عملية التمثيل الضوئي، تقوم الأشجار بتقنية الهواء من ثاني أكسيد الكربون الملوث للبيئة، غير أنه في ظل ظروف بيئية قاسية، تعيد الأشجار ضخ ثاني أكسيد الكربون في الهواء مرة أخرى، من خلال عملية تعرف باسم “التنفس الضوئي” وتوصل الفريق البحثي من خلال تحليل لقاعدة بيانات عالمية لأنسجة الأشجار أن معدل التنفس الضوئي يتزايد بواقع ضعفين في المناطق الحارة مقارنة بالمناطق الباردة، وبخاصة عندما تكون هناك ندرة في المياه.
ووجد الباحثون أن هذه الاستجابة لدى الأشجار والنباتات التي تنمو في المناطق الاستوائية تحدث عندما يتجاوز متوسط درجات الحرارة اليومية مستوى 68 درجة فهرنهايت، وتتفاقم كلما ارتفعت الحرارة بشكل أكبر. ويؤكد الباحثون أن هذه النتائج تؤدي إلى تعقيد الفكرة السائدة بشأن دور النباتات في تنقية الغلاف الجوي من ثاني اكسيد الكربون، وتعطي لمحة جديدة متعمقة بشأن طريقة تأقلم النباتات والأشجار مع التغيرات المناخية. وأهم من ذلك، توصل الباحثون إلى أنه كلما ارتفعت حرارة الارض بسبب ظاهرة الاحترار العالمي، كلما تراجعت قدرة النباتات على تنقية الهواء من ثاني أكسيد الكربون، وهو دور محوري في حد ذاته تقوم به النباتات لخفض حرارة كوكب الأرض مجددا.
ويقول الباحث ماكس لويد، في تصريحات للموقع الإلكتروني “سايتيك ديلي” المتخصص في الأبحاث العلمية: “لقد وجهنا لطمة إلى توازن هذه الدورة الضرورية” التي تعمل لخدمة البيئة، موضحا أن “هناك صلة وثيقة بين النباتات والمناخ، حيث أن أهم وسيلة لسحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي هي النباتات التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي، وبالتالي فهي عنصر بالغ الأهمية في تركيب البيئة، مما يعني أن التغيرات الطفيفة قد يترتب عليها نتائج كبيرة”.
وتشير بيانات وزارة الطاقة الأمريكية إلى أن النباتات حاليا تمتص ما يقدر بـ25% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن أنشطة البشر كل عام، ولكن هذه النسبة على الأرجح سوف تقل في المستقبل مع ارتفاع حرارة الأرض، لاسيما إذا ما تزايدت ندرة المياه.
ويقول لويد: “عندما نفكر بشأن مستقبل المناخ، فإننا نتوقع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، وهي مسألة جيدة للنبات من الناحية النظرية لأن هذا الغاز يعتبر الجزيئات التي تتنفسها النباتات، ولكن النتائج التي توصلنا إلينا تكشف أننا بصدد تغيرات في هذا النمط السائد، أي أن النباتات سوف تكون أقل قدرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون”.
وفي إطار الدراسة، توصل الباحثون إلى وجود نوع معين من النظائر داخل أخشاب الأشجار تعرف باسم مجموعة “الميثوكسيل”، وتعتبر هذه النظائر بمثابة المؤشر الذي تعتمد عليه الأشجار للقيام بعملية التنفس الضوئي. وقام الفريق البحثي بدراسة نظائر الميثوكسيل في عينات أخشاب تم الحصول عليها من ثلاثين فصيلة من الأشجار التي تنمو في مناطق مناخية متعددة حول العالم، وذلك بغرض رصد اتجاهات التنفس الضوئي على كوكب الأرض. وأوضح الباحثون أن هذه العينات كان محفوظة في أرشيف مخصص لهذا الغرض في جامعة كاليفورنيا بيركلي الامريكية، ويضم هذا الأرشيف مئات العينات من الأخشاب التي تم جمعها خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
وقال لويد إن “قاعدة البيانات هذه كانت تستخدم في الأساس لتدريب الحطابين على تحديد أنواع الأشجار في أماكن مختلفة حول العالم، ولكننا عدلنا الهدف من هذا الارشيف حتى يمكننا أن نعرف كمية ثاني أكسيد الكربون التي كانت الأشجار تمتصها في الماضي”. وأوضح أنه يمكن في الوقت الحالي قياس معدلات التنفس الضوئي عن طريق عينات من النباتات الحية أو العينات الميتة المحفوظة بشكل جيد التي تحتفظ داخلها بهياكل من الكربوهيدرات.
واضاف أن فريقه نجح في توثيق منهج علمي لرصد معدلات التنفس الضوئي في الاشجار من خلال عينات الأخشاب، مشيرا إلى أن هذه الطريقة قد تكون أداة لتحديد قدرة الاشجار على “التنفس” سواء في الوقت الحاضر او في الماضي. ويقول لويد إن كمية ثاني أكسيد الكربون تتزايد في الهواء بمعدلات غير مسبوقة، وصارت أعلى من أي وقت مضى خلال الـ6ر3 مليون سنة الماضية، وذلك حسب بيانات الهيئة الوطنية لأبحاث المحيطات والبيئة في الولايات المتحدة.
ويعكف الفريق البحثي حاليا على محاولة اكتشاف معدلات التنفس الضوئي للنباتات في الماضي السحيق لفترات تصل إلى عشرة ملايين عام مضت باستخدام عينات الأخشاب المتحجرة. ويقول لويد: “إنني عالم جيولوجيا أي أن عملي ينصب على الماضي، وبالتالي فإذا ما كنا مهتمين بالإجابة على الاسئلة المهمة التي تتعلق بهذه الدورة البيئية عندما يتغير المناخ على كوكب الأرض، فربما يكون من الضروري أن نعود إلى الوراء لملايين السنين حتى يمكننا أن نعرف الشكل الذي سيكون عليه مستقبلنا بشكل أفضل”.