واشنطن (د ب أ)-
ترى المحللة الأمريكية جينيفر كافانا، الاستاذة المساعدة في برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون أن “الانفتاح” هي كلمة السر في استراتيجية الأمن القومي التي أعلنها البيت الأبيض مؤخرا. ففي هذه الاستراتيجية يدعو البيت الأبيض إلى”نظام عالمي منفتح” يضمن” نظاما تجاريا واقتصاديا عادلا ومنفتحا”، يضمن الوصول دون قيود للمشاعات العالمية.
وتقول كافانا، وهي زميلة رفيعة المستوى في برنامج فن الحكم الأمريكي بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إنه مع ذلك فإن كثيرا من مبادرات إدارة بايدن تشير في واقع الأمر نحو ما هو عكس ذلك- عالم محاط بالأسوار يقيد الوصول إلى فضاءات الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية. فالقيود على الصادرات ، والتدقيق في الاستثمارات واستخدام الدولار كسلاح كلها أمور ترسخ شبكات اقتصادية وتكنولوجية محاطة بالأسوار، وهو ما اتضح بشكل بارز في سياسة الرئيس جو بايدن الخارجية.
كما أن الإدارة الأمريكية استثمرت في شراكات أمنية مغلقة مثل الأوكوس وكواد والتي توفر لبعض الشركاء الفرصة للوصول إلى المعلومات، والموارد، وصنع القرار، ولكن تستبعد الآخرين.
وهناك سبب مقبول للتحرك الحاسم في هذا الاتجاه: وهو أن العالم المسور يناسب بصورة أفضل تعزيز المصالح الأمريكية في وجه التعددية القطبية المتزايدة.
وفي حقيقة الأمر، فإن التمسك بمفهوم ” النظام الدولي المنفتح” في مركز السياسة الخارجية يمكن أن ينتهي به المطاف إلى الانهزام. فمن ناحية، يقوض هذا المفهوم مصداقية الولايات المتحدة مع الحلفاء والشركاء المحتملين. والأهم من ذلك، هو أن صرف أنظار صانعي السياسات عن حقائق كيفية تغير النظام العالمي، يحول دون القيام بجهد استراتيجي لتشكيل العالم المستقبلي المسور لصالح الولايات المتحدة.
وتوضح كافانا أن المضي نحو نظام دولي منفتح كان أمرا أساسيا للسياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الأقل، على أساس أن الأسواق المفتوحة، وتدفقات رأس المال تحقق مكاسب اقتصادية، وأن الأمن يزداد قوة في عالم بلا مناطق نفوذ. ولكن في ظل الظروف الحالية، ينطوي الإصرار على نظام منفتح على خطر تقويض القدرة التنافسية للولايات المتحدة على المدى الطويل.
وقد أصبحت الشبكات المسورة ذات الحواجز واسعة الانتشار لأنها ، في عالم يسوده النزاع مثلما يظهر في الوقت الحالي، تعتبر أفضل من الشبكات المفتوحة في توفير وتعزيز المزايا التنافسية. ففي أي نظام دولي متعدد الأقطاب، أصبحت القدرة على إدارة الدخول بالنسبة للشبكات ووضع القواعد داخل تلك الشبكات مصدرا رئيسيا للقوة.فهذه الحراسة تتيح للدول ضمان وتعزيز مواردها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية ومواطن قوتها.
وأكدت كافانا أن الشبكات المسورة يمكن أن تعمل بصورة أكثر كفاءة من الشبكات المفتوحة وقد تكون أكثر تماسكا، ومرونة وقدرة على التحمل، حيث من المرجح أن يتقاسم الشركاء الالتزامات المشتركة، والمعايير والمصالح.
وأكدت كافانا أنه مع ذلك لا يعد العالم المسور عالما مغلقا. فهو ليس في حاجة لأن يتشكل من تكتلات اقتصادية أو أمنية خاصة. وهذا فارق مهم للغاية. فالشبكات المسورة بها حواجز أو تكاليف للدخول، لكن يمكن إلى حد ما أن تظل حدودها قابلة للنفاذ إليها، مما يتيح للأعضاء فيها المرونة للتحرك بين الشبكات المتعددة والعمل فيها. فالمشاركة في شبكات مسورة مثل كواد أو أوكوس لا تمنع الأعضاء من التواصل مع الصين أو روسيا بشأن القضايا الأمنية الأخرى، رغم وجود بعض القيود.
وحتى الآن ليست هناك دلائل كبيرة على أن صانعي السياسات الأمريكيين يتبعون استراتيجية واضحة لتعزيز الشبكات المسورة، رغم استخدامها كثيرا. وبعض الشبكات المسورة التي أقامتها إدارة بايدن – على سبيل المثال ، القيود على صادرات التكنولوجيا والأوكوس- تبدو ضيقة بشكل غير مفيد. كما تبدو شبكات أخرى مثل الإطار الاقتصادي لمنطقتي المحيطين الهندي والهاديء للازدهار منفتحة أكثر من اللازم مما يحول دون فعاليتها.
وتقول كافانا إن صانعي السياسات الأمريكيين في حاجة إلى قبول أن النظام الدولي المنفتح بدأ يتحول بالفعل ولم يعد يخدم المصالح الأمريكية بشكل أفضل. وبدلا من ذلك يتعين عليهم بدء جهد منسق للتخطيط لنظام محاط بالأسوار يراعي بعض الاعتبارات المهمة ومن بينها تنظيم الشبكات المسورة الأكثر فعالية حول الاحتياجات العامة التي تتفاعل فيها الدول والشركات. كما يتعين على صانعي السياسات مراعاة العضوية والحواجز الخاصة بالدخول والخروج. والتوصل إلى التوازن الصحيح واجتذاب الشركاء المناسبين لأهداف الشبكات.
وكذلك سوف يحتاج صانعو السياسات إلى فحص الهيكل الشامل: أي كيف تتفاعل مختلف الشبكات المحاطة بالأسوار لتحديد معالم واستدامة النظام العالمي المسور.
واختتمت كافانا تقريرها بالقول إنه ينبغي أن يكون تشكيل وتعبئة النظام العالمي المسور الجديد هدفا أساسيا للسياسة الخارجية الأمريكية. وسوف يكون الطريق إلى هذا النظام الدولي الجديد صعبا، وربما غير مقبول في بادىء الأمر، ولكن النتيجة قد تكون حاسمة للقدرة التنافسية الأمريكية على المدى الطويل.