مرئيات

سبب نزول سورة النور

بقلم : ريما علي - كاتبة ليبية

عند تلاوة القرآن الكريم والتنقل بين صفحات المصحف وعبق آياته الشريفة وبالإضافة إلى كسب الأجر والثواب والحسنات نكتسب الخلق ونتعلم الفضيلة في التعامل وحسن المعاملة الفاضلة بأمور حياتنا التي تهذب بها نفوس العباد ويستقيم عملهم ويزداد تحصيلهم وتزودهم من علم الغيب ومواقف الواقع الذي نعيش حتى في أبسط وأدق تفاصيله، فسبحان الذي علم عباده مالم يعلمون وتفضل عليهم بالتوضيح والتفصيل، القرآن الكريم بجانب كونه شريعة ومنهاج مقدس وحدود مفصلة تضع قوانين واحكام حياة المسلمين وتضبطها على مسار سليم لتستوي وتستقيم، فهو أيضاً نهج اخلاقي وتربوي يهذب ويقيم سلوك العباد في أدق المواقف الحياتية بل شمل حتى شعور الفرد ورغباته التي يراها البعض لا قيمة لها نجد الله سبحانه في كتابه العزيز لم يتجاوز ذلك بل اهتم بها ليظهر لعباده جمال لطفه بما تفيض به نفوسهم من أحاسيس وحيرة وتخبط ليهديهم ويرشدهم إلى سبيله بالحكمة والمعوضة الحسنه ، عند تلاوة القرآن والتنقل بين مواعظ وقصص الكتاب نصل إلى سورة النور التي يقف الكثير في تأمل آياتها والمواقف التي تتحدث عنها خاصة في بدايتها عند الآية الثانية “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين”.
هنا يقف كثير ممن يتلوا القرآن على التساؤل والتأمل في قوله الزانية؟ لماذا بدأت الآية في سورة النور بذكر الزانية (المرأة) دون الرجل والكثير يذهب بتفكيره أن المرأة هي من تبادر الرجل بالزنا بينما الآخر يعتقد أن المرأة هي التي تحمل وزر الزنا لأنها المتسببة في الوقوع بهذا الذنب العظيم والبعض الآخر يذهب مذاهب شتى في تصوره وتفكيره، لكن الحقيقة أن لكل سورة بالقرآن سبب وقصة نزلت بها لتعلمنا ما نجهل من مواقف وتفاصيل مهمة مهما كانت بسيطة وصغيرة ولا يلتفت لها أحد لكن القرآن العظيم لم يتجاوزها للطف الله وسعة علمه بنا وبضعف نفوسنا وحاجتنا إليه، قصة هذه السورة الشريفة بدأت عندما أتى أحد الصحابة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام حيت كان الصحابي مرثد بن أبي مرثد يحب إمرأة بغي اشتهرت بالزنا اسمها عناق وسأل مرثد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتزوج عناق فسكت النبي عليه السلام وهنا يوضح هذا الموقف ويبين جمال تواضع خلق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فلم يعترض ولم يتكلم أو ينهر الصحابي على شيء ليس له به علم أو يحلل ويحرم على هواه لأنه لم يكن يعلم الحكم في ذلك الموقف فسكت عليه السلام تواضعاً وتعقلاً منه حتى يبين الله له ،إلى أن نزلت هذه السورة الكريمة في حب هذا الصحابي موضحة ومبينة بقولة تعالى “الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركه والزانية لا ينكحها إلا زاني أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين” ..وهنا رد الرسول عليه الصلاة والسلام على مرثد وأخبره النبي بأن لا يتزوجها وينصرف ويعرض عن الأمر، فما أجمل هذا الكتاب القيم وما أجمل بساطة تفاصيله وعظمتها التي تقوم حياتنا عليها في كل وقت وحين، سورة النور هي سورة مدنية وعدد آيتها أربع وستون آية وسميت بهذا الإسم لذكر كلمة النور بها شملت أيضاً على عدة أحداث وعلى أعظم المواقف عندما عادت السيدة عائشة مع الصحابة بعد غزوة بني المصطلق تبحث عن عقد ضاع منها وعندما وجدت عقدها تبين لها أن الصحابة رجعوا إلى المدينة وجلست تنتظر رجوعهم لها حتى نامت ووجدها صفوان بن المعطل ورجع بها للمدينة وعندما رآها عبد الله بن سلول في طريق العودة معه قال: والله ما نجا منها ولا نجت منه ” فكان سبب في رمي أم المؤمنين زوراً وبهتاناً إلى أن نزل الوحي على رسولنا الكريم ليبين للمؤمنين حقيقة الافتراء وعواقبه :
(إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم)..
فكانت هذه المواقف التي ذكرت بها سبب في نزول هذا النور الذي أضاء وفصل وبين للمؤمنين ما غاب عنهم واحتاروا به وما وقع بينهم وما اختلفوا فيه من زور وضيم ليكون للمؤمنين دليلاً وتفصيلاً وهدياً عظيماً ”
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا” فالحمدلله على نعمة الكتاب ونوره وهداه في حياتنا.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى