مرئيات

الملاك المنبوذ

بقلم / د. ولاء قاسم

من الطبيعي أن تكون ولادة الطفل دلالة للسعد، للرضى، لاكتمال الأنوثة والوفاق مع الذات بالنسبة للأم، وأن تعتز الأم وهي تقدمه لزوجها، تعزيزاً وترسيخاً لرباط زوجي موفق وثمرة سعي حثيث نحو الاكتمال، فيحتل الطفل مكانة عالية الإيجابية في عالم أبويه يكون لها أثرها في نموه وسلامته النفسية.

لكن يحدث أحياناً أن تكون ولادة الطفل ذات دلالة سلبية لدى أحد الوالدين أو كليهما على الرغم من ولادته بطريقة شرعية ،
فيحمل الطفل وزر دلالته السلبية على شكل نبذ نوعي متعدد والألوان، فيكون الطفل موضوعاً لإسقاط مختلف حالات الضيق والإحباط والفشل الوجودي ويكون دلالة على النصب والمعاناة فنكون في مختلف تلك الحالات
بصدد “أطفال ولدوا ليخسروا”.

على رأس تلك الحالات هي حالة الطفل الذي ولد من حمل غير مرغوب به نسبة لظروف صحية أو اقتصادية أو تأجج الصراعات الزوجية، هذا الطفل يشكل عبئاً يجابه بكل أشكال العداء الصريح أو الضمني، مما يؤثر على نوعية العلاقة الأولية بينه وبين أمه فيواجه الطفل ذلك العداء بردود فعل فسيولوجية منها (كثرة البكاء، قلة النوم وصعوبات التغذية وأزمات صحية متكررة).

كل ذلك يزيد من معاناة الأم ، لكنها في ذات الوقت تجد أن تلك المعاناة تبريراً لموقفها العدائي تجاه الطفل فتزداد نبذاً له وندخل في موجات متعاقبة من الفعل ورد الفعل مما يؤدي إلى تعثر العلاقة وزيادة معاناة الطفل وأمه.

لكن عدداً لا يستهان به من الأمهات يستجبن لميولهن اللاواعية في عدم الرغبة في الطفل بحالة من الشعور الشديد بالذنب، فتكبت ميول النبذ اللاواعية وتحولها إلى عكسها في شكل اهتمام مبالغ فيه بطفلها وحماية زائدة واستجابة سريعة تصل إلى درجة الرضوخ لجميع رغبات الطفل محولة الطفل إلى طاغية صغير تستجيب له عن طيب خاطر فقط لإسكات الشعور بالذنب!!

من أشكال النبذ أيضاً ما يعرف “الطفل النحس” وهو طفل تزامن مولده مع أزمة اقتصادية أو صحية أو صراع زوجي عنيف، فتسمع من الأم وأحياناً الوالدين كلاماً يحمل معنى ضمنياً بأنهم لك يروا الخير منذ ولادته، فيحمل الطفل المسؤولية في نوع من الترابط الشرطي القائم على تشوه فكري لدي الوالدين، فيكون الطفل كبش فداء تسقط عليه عثرات الحياة وخيباتها، ووصمة الطفل النحس تسبب نفس أشكال رد الفعل الفسيولوجي لندخل مجدداً في موجة الفعل ورد الفعل السابقة مما يعطل إمكانات الطفل ويوقعه في الاضطراب الذي يستمر حتى تطرأ تغيرات تحسن الموقف.

وترد إلينا كمختصين العديد من حالات النبذ النوعي للطفل انطلاقا من حمل الطفل لملامح معينة تجعله أكثر شبها بالشريك أو أهله، فيحدث في حالات التصدع الظاهر أو الخفي للأسرة أن تسحب الأم توظيفها العاطفي الإيجابي من طفلها نتيجة تشابه مع والده فيذكرها بتلك العلاقة المضنية وما تمثله لها من ألم ومعاناة وقد يستعمل الطفل المسكين كأداة في الحرب بين الوالدين، ولا يندر أن تبالغ الأم في إذلال الطفل وإساءة معاملته في شكل نسميه “الانتقام من البديل أو الرمز” خصوصاً إذا فشلت الأم في خوض معركتها مع الأب وأهله.

ومن أشكال النبذ الشائعة نبذ طفل يحمل قصوراً جسدياً أو عاهة، هذه الحالة تفجر قلق الأم أو أحياناً كلا الوالدين من خلال إثارة شعور لاوعي بالنقص، لأن إعاقة الطفل تلحق الأذى بصورة الذات واكتمالها لدى الوالدين، خصوصاً الأم التي تعتبر جسد الطفل امتداداً لجسدها ونتاجاً لذلك الجسد، وينتج عن ذلك تشكل مواقف دفاعية متعددة، كالحماية الزائدة والعدوانية المفرطة تجاه المحيط والظروف الخارجية، أو اللهث وراء الأمل السحري في الشفاء من الإعاقة، وكل ذلك يتنافى مع علاقة واقعية وداعمة تقوم على القبول وتوفر أفضل الحلول.

وأخيراً أود التشديد على موقف الأب وحضوره النفسي ومدى توسطه في العلاقة بين الأم والطفل الذي يعيد للعلاقة اتزانها، وكذلك الحال بالنسبة الأم في تعديل العلاقة بين الطفل والأب، فالتآزر الزوجي له أثر إيجابي عميق في تصحيح العلاقة المرضية حتى لايكون الأطفال ضحايا لمآزق والديهم وميولهم النفسية اللاواعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى