واشنطن (د ب أ) –
في ظل التطورات السياسية الأخيرة في تركيا، يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان يواجه تحديات كبيرة. فقد أثار تراجعه في السياسة الداخلية والخارجية، جنبا إلى جنب مع تفاقم الأزمات الاقتصادية، تساؤلات عن مستقبله السياسي. ومع ذلك، على الرغم من هذه الظروف الصعبة، يجب علينا ألا نستبعد أردوغان من المشهد السياسي تماما، إذ يتمتع بقاعدة داعمة من الأنصار، ويظل لديه قدرة على البقاء في السلطة وتعديل استراتيجياته لمواجهة التحديات.
وقال الكاتب الأمريكي مارك تشامبيون في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن نتائج الانتخابات البلدية في تركيا التي جرت مطلع هذا الأسبوع كانت مذهلة، حيث احتفل بها مئات الآلاف من الأتراك باعتبارها انتصارا للعلمانية، واحتفل بها عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو باعتبارها إحياء للديمقراطية الليبرالية التي تقدم الأمل ليس فقط لبلاده، ولكن في جميع أنحاء العالم.
ويمثل هذا بداية معركة من قبل معارضي الرئيس رجب طيب أردوغان، وليس الانتصار فيها.
ويقول تشامبيون: دعونا نبدأ بأسباب الأمل، لأنه بالنسبة لأي شخص آمن بالوعد الاستثنائي لتركيا ديمقراطية ومنفتحة، كان العقد الماضي مظلما بلا انقطاع.
وأشار إلى أن ما أثبتته الانتخابات البلدية التي جرت في مطلع الأسبوع هو أن حتى بالنسبة لأكثر القادة الشعبويين نجاحا، يمكن أن تكون قوة السياسات القائمة على الهوية غير كافية إذا دمرت الاقتصاد.
وبحسب تشامبيون، كانت الإدارة السيئة واضحة بشكل خاص في حالة أردوغان، لأنه اعتبر مسؤوليته الشخصية عن السياسات النقدية الكارثية كرمز للفخر. وأدى إيمانه بأن خفض أسعار الفائدة سيقلل من التضخم، بدلا من زيادته، إلى كارثة رغم كل النصائح والأدلة.
وفي الوقت نفسه، حقق حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه إمام أوغلو نتائج أفضل حتى من توقعات قادته. وحصد حزب مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك، عددا أكبر من الأصوات على الصعيد الوطني من حزب العدالة والتنمية الحاكم، للمرة الأولى منذ تولي أردوغان السلطة قبل أكثر من 20 عاما. كما استحوذ حزب الشعب الجمهوري على مزيد من البلديات والمدن. وحتى الرئيس التركي بدا متواضعا بسبب هذه الهزيمة.
وحقق حزب الشعب الجمهوري هذا رغم تخليه عن جهود التعاون مع الأحزاب المعارضة الأخرى لترشيح مرشحين مشتركين. وكانت الانتخابات محلية فقط. ولكن في تركيا، حيث تتمركز السلطة بشكل مفرط في يد الرئيس الآن، تقدم المدن موارد ورعاية أساسية لأي محاولة لاستعادة السلطة السياسية. وللمرة الأولى منذ جيل، تجد المعارضة الآن في إمام أوغلو منافسا موثوقا به للرئاسة.
ومع ذلك، لا ينهي أي من هذا عصر أردوغان. ولا يشكل وصول ديمقراطية علمانية صحية لتركيا.
هناك اختلاف كبير بين الوضع الحالي والوضع المفترض.
أولا، مثل الانتخابات البلدية في كل مكان، لا تشكل الانتخابات في تركيا دائما مؤشرات موثوقة لكيفية تصويت الأشخاص لصالح سلطة تنفيذية مركزية. ثانيا، لا توجد انتخابات وطنية مقررة حتى عام 2028، مما يمنح أردوغان الوقت للتعافي من خطأه في الاقتصاد. والواقع أنه لم يضمن إعادة انتخابه إلا في العام الماضي من خلال الاستمرار في ضخ القدر الكافي من المال في النظام لتخفيف تأثير التضخم الجامح. ويقول تشامبيون : “لقد دفع الأتراك الثمن الكامل لهذا التصرف المدفوع أيديولوجيا فقط منذ أن حصل على فترة ولاية أخرى، عندما تحول إلى فريق سياسة نقدية ومالية أكثر تقليدية”.
بعبارة أخرى، كان أردوغان يعلم أن نوعا من الحساب السياسي قادم وخطط لذلك. لقد بدأ المستثمرون الأجانب في العودة، ويمكن لأردوغان ، كما قال، أن يتوقع أن يؤتي دواء التشديد المالي القاسي نتائج ويؤدي إلى تمكين الانتعاش قبل الانتخابات المقبلة. وليس من المستحيل أن يضطر إلى الدعوة إلى تصويت مبكر، ولكن من الصعب الآن التنبؤ بكيفية حدوث ذلك. وكما قال الرئيس في خطابه الذي قبل فيه الهزيمة: “سنقف شامخين، سنقف مرفوعي الرأس. 31 (آذار) مارس ليس النهاية بالنسبة لنا، إنه في الواقع نقطة تحول”.
إن الطريقة التي يتجه إليها أردوغان الآن أمر بالغ الأهمية ولا يزال غير واضح. ويبدو أنه سوف يتمسك بسياسات اقتصادية أكثر مسؤولية، لكنه سيظل في الوقت نفسه مسيطرا على أغلب وسائل الإعلام وجميع المؤسسات الحيوية، مما يمنحه سلطات واسعة لتشكيل الأحداث. كما سيظل لديه كل الأدوات التي يحتاجها لتهميش المنافسين السياسيين، إذا قرر استخدامها.
وقد تم سجن صلاح الدين دميرطاش، الزعيم المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بتهم ملفقة في عام 2016، بعد عام من قيادة حزبه إلى البرلمان بتصويت وفير كلف حزب العدالة والتنمية أغلبيته. ولا يزال في السجن على الرغم من تخليه عن السياسة والأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي وجدت أن احتجازه له دوافع سياسية.
وقد تم اتهام إمام أوغلو نفسه بإهانة أعضاء مفوضية الانتخابات التركية، وهي تهمة يمكن بموجبها منعه من شغل منصب عمدة اسطنبول.
ويقول تشامبيون إن كل البدايات المشرقة الجديدة السابقة في تركيا، حين اعتقد نقاد أردوغان أيضا أنه أرتكب خطأ كبيرا لا يمكن العودة عنه، تبعها بدلا من ذلك بمضاعفة جهوده وإعادة تقسيم الناخبين لصالحه. وعلى الرغم من أن هذه المرة تبدو مختلفة، فمن الحكمة أن نتذكر المعنى الكامل للسلطة القريبة من المطلقة التي يتمتع بها وكم يعتبر إنشاء مؤسسات مستقلة أمر أصعب من تدميرها.
ويمكن تصور أن ما حدث مؤخرا يشهد تحول أردوغان نحو الاعتدال، لكن هذا يبدو وكأنه تفكير بالتمني. ولسبب واحد، كانت حصة الأصوات التي فازت بها الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا كبيرة مرة أخرى بما يكفي لتأمين كتلة مؤثرة من المشرعين المعادين للرئيس في الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي قد لا يبشر بالخير لمعاملتهم. وقد يرد أردوغان باستهداف الأكراد لجذب أصوات القوميين الأتراك.
وعلى نفس القدر من الأهمية، في حين فاز حزب الشعب الجمهوري بأكبر عدد من الأصوات على الصعيد الوطني، بنسبة 38% إلى 5ر35 تقريبا لحزب العدالة والتنمية، كان هذا الهامش أصغر من الانشقاق المحتمل لناخبي حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى حزب الرفاه الجديد، الذي فاز بما يزيد قليلا عن 6% في أول جولة له. وقد يقرر أردوغان أن لديه فرصة أكبر لإقناع هؤلاء الناخبين المتدينين المتشددين بدعمه أو دعم خليفته في جولة الإعادة الرئاسية المستقبلية، أكثر من أولئك الذين ذهبوا إلى حزب الشعب الجمهوري.
وكان أردوغان رائدا للرجال الشعبويين الأقوياء الآخرين الذين راهنوا على الحروب الثقافية لإيصالهم إلى السلطة. وكان من المفترض أن تكلفه عثراته المذهلة بشأن الاقتصاد منصبه في العام الماضي ، لكنها لم تفعل ذلك ، وربما يكون آمنا في الوقت الحالي. وهذا يعني أن خصومه السياسيين، والمؤسسات الديمقراطية في تركيا، ربما ليسوا كذلك.