الالتزام العائلي وحس المسؤولية من أهم شروط الحفاظ على سلامة الأسر وتماسكها، فنحن هنا بصدد قناعة عقلية وعاطفية للاضطلاع بمسؤوليات ومهام الأسرة والأبناء، بالخروج من عباءة الذات وأنانيتها ورغباتها إلى ملاقاة الآخر (الزوجة والأبناء) والالتزام بكيان الأسرة،
أنه التزام بالذات الجماعية والحرص على تحقيق الذات الفردية من خلال صحة الأسرة ونمائها.
يرى الكثير من الرجال أن الالتزام العائلي يلقي بأعباء كثيرة عليهم. وعندما نتحدث عن الالتزام فأنا لا أتحدث عن التزام المادي فهو التزام مكفول للزوجة والأطفال بحكم الدين والقانون والعرف، ولكني أحدثكم عن التزام من نوع آخر، التزاما تجاه تربية الأطفال وتطورهم التعليمي والأخلاقي ونقل الموروث الثقافي إليهم وهذا أمر يحتاج لكثير من الوقت والتدريب وعندما يخشى الرجل من عدم قدرته على الوفاء بمتطلبات ذلك فإنه يترك معضلة التربية برمتها ويلقيها على عاتق الأم، لكنه بذلك يفقد تواصله مع أطفاله، يفقد احترام زوجته ورصيده في بنك الحب لديها.
أعمق احتياجات الزوجة النفسية مهما بلغت من التعلم وتدرجت في المناصب هي أن ينعم أطفالها ب “أب جيد” وعندما تتفاجأ بأن الأب منسحب من حياتهم فإنها تبذل الكثير من المحاولات اليائسة لجذبه لدائرة الأطفال بمختلف الوسائل، بداية من إغراقه في تفاصيل حياة أطفاله اليومية وانتهاء بمحاولة تثقيفه من خلال توفير الكتب والمصادر التي تتناول الشأن الأسري وتربية الأطفال ومحاولة إلحاقه بدورات تعليمية وطلب الاستشارات من المعالجين والمختصين.
الأبوة تحتاج للكثير من الوقت، بجانب الخمسين ساعة التي يقضيها معظم الرجال في العمل أسبوعياً يطالب المختصون الآباء بتوفير خمس عشرة ساعة أسبوعياً للبقاء مع أطفالهم وهو وقت مخصص للعائلة ليقضيه الوالدان في تعليم الأطفال ومنحهم الاهتمام والانتباه الكامل، نحن نتفهم ونقدر حجم الضغط الذي يتعرض الرجل في العمل وأنه قد يصعب عليه توفير كل هذا الوقت من جدوله اليومي لكني أدعوك لتوفير ساعة يومية لأطفالك تزداد تدريجياً وخلال عشرة أسابيع ستجد نفسك على المسار الصحيح،.
عليك أن تأخذ هذه المسألة بجدية مع أطفالك خصوصاً من هم دون الثانية عشرة من العمر فيمكنك ذلك من غرس القيم بسهولة فأنت تعلم طفلك في هذه المرحلة “ما يجب أن يكون عليه”، إذا طبعت فيهم القيم الأخلاقية ومبادئ العائلة ستبقى معهم طوال عمرهم ومع الأسف نحن نتلقى الكثير من الشكاوى من آباء يرفض أطفالهم المراهقون أو البالغون أحياناً قضاء الوقت معهم فهم لم يعودهم على ذلك، ويحتدم الصراع حول قضاء وقت مميز مع الأسرة لدرجة أن آثاره أكبر بكثير من الفائدة المرجوة منه فندعو الأهل لترك ذلك المطلب تجنباً للصراعات مع المراهق.
أنت تحتاج أيضاً لتلقي التعليم والتدريب حول طرق تهذيب الأطفال دون إجبار وحول طريقة التواصل الصحيح وهناك الآلاف من الكتب والدورات المتاحة لذلك لكني أدعوك بداية أن تتدرب على تثبيت سلوكك مع أطفالك فلاتدع سلوكك يتغير بحسب حالتك المزاجية فيستغلها الطفل ليرفع سقف مطالبه ويتمرد على الأوامر عندما يكون مزاجك جيداً وقد ينصاع ويخضع عندما يتعكر صفو مزاجك فيخلق ذلك حالة من عدم اليقين وتضيع المعيارية لدى الطفل بين المسموح والممنوع.
وسأدعوك أيضاً إلى تعلم أساليب العقاب الفعالة رغم أننا نفضل التحفيز والمكافآت مع التفريق بين أن تكافئ طفلك وبين أن تقدم له رشوة، لكنك قد تضطر لاستخدام العقاب أحياناً فتجنب العقاب الجسدي وتأكد أن أكثر العقوبات فاعلية هي التي تقوم على سحب بعض الامتيازات من الطفل ولتكن حذراً عند وضع أنظمة العقوبات لأن الأم كثيراً ما تشعر أن عقاب أطفالها أو المعاملة الخشنة معهم عقوبة تقع عليها هي شخصيا، لذلك احذر من استعمال عقوبة تؤذي مشاعرها.
والمهم أن تتفق مع زوجتك على نظم السلطة ومرجعيتها وكل القرارات التي تصدرها للأطفال حتى لا يستعمل الأطفال اختلافكم للتلاعب بكم فالقرار المتفق عليه سيحظى بقدر أكبر من الاحترام ودرجة أقل من المقاومة، وتذكر أن تشرح لأطفالك وتفسر لهم بوضوح سبب كل القواعد التي تفرضها عليهم فأسوأ ما تقوله لطفلك عندما يسأل عن سبب أوامرك “لأنني أريد ذلك” فاستعراض عضلاتك كأب لن يفيد ابنك على الإطلاق وستشعر بالكثير من الإحباط عندما تشعر أنك قد فوت الفرصة على نفسك في شرح منطقك لطفلك.
وتذكر أن الأب الذي يقبل تحدي الأبوة يحظى بإشباع زوجي أكبر من غيره فتنعم زوجته بالسكينة وتطمئن لصحة أطفالها النفسية والعاطفية ويرتفع رصيد الزوج لديها مما يحفظ التوازن الأسري ويقيك مغبة الاضطراب لأن شعور أي فرد في الأسرة بالاضطراب يتجلى في نشاط الأسرة وتفاعلاتها فما بالك لو كانت الأم!!