في خطوات غير مسبوقة وبإرادة القائد المؤسس سخرت الإمارات الإمكانات وحشد الطاقات لبناء دولة حديثة تتطلع إلى المستقبل مستندة الى تاريخ عريق ، يجمع بينها قاسم مشترك هو الطموح الكبير لتحقيق الريادة العالمية، وصولاً لتحقيق هدف “مئوية الامارات 2071” بأن تكون بلادنا من بين أفضل دول العالم.
وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ البدايات الأولى للتأسيس على عزيمة قوية لتكون دولة عصرية بامتياز، ومقراً دولياً للاقتصاد، ومنبراً ثقافياً، ومنارة للعلم، وأحد أبرز مراكز الجذب العالمي للمؤتمرات، واستقبال الوفود، والتظاهرات العالمية الثقافية والفنية ووفرت المطارات المتطورة، والفنادق الفخمة، والطرق بمواصفات عالمية، والمراكز التجارية ، فضلاً عن السمعة الجاذبة للعاصمة أبوظبي، وبؤرة اهتمام العالم “دبي”، والشارقة “واحة الثقافة”.
والإمارات بموقعها الساحلي الاستراتيجي الذي يطل على الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي لديها جذور عميقة ومتأصلة استمدتها من إرث
عريق وعشق للبحر وتملك تاريخا غنيا للعائلات التي اشتهرت بتجارة اللآلئ الثمينة فغاص أبناؤها في عباب البحر بحثاً عنها.
وتولى عام 1966، المغفور له الشيخ زايد حكم أبوظبي، ومن ثم رئاسة الاتحاد عام 1971، وهو القائد والمؤسس لدولة الإمارات وشدد الشيخ زايد على أن الإنسان هو الثروة الحقيقية وليس النفط فقط، لأنه بالإنسان تقوم الحضارة، وتتأسس الدول وتزدهر، وبالتعليم والثقافة تنمو الشعوب وتبني مستقبلها، والمستقبل يصنعه الإنسان إذا تم إعداده لمعركة الحياة.
وهذا ما حدث في الإمارات حين تحول التعليم إلى مدارس حديثة ومتطورة، وجامعات وكليات ومنابر للثقافة، وكان ذلك وفق خطط مرسومة وبرامج وضعتها الحكومة الاتحادية في عهده الزاهر رحمه الله وسعت إلى تحقيقها بدعمه وتوجيهاته.
ونقلت القيادة الحكيمة للشيخ زايد أبناء الوطن إلى مرحلة تطور متسارع في مختلف الميادين حتى أصبحت الإمارات اليوم، دولة راقية ومتحضرة، وتتبنى الكثير من مشاريع النهضة التي عجزت عنها كبريات الدول، فتسارعت خطى التطور فيها حتى أصبحت في غضون بضع عقود واحة أعمال مزدهرة تستقطب اهتمام العالم وتلهم جيرانها بتأسيس مشاريع مشابهة.
وتعيش دولة الإمارات في الوقت الحاضر مرحلة نهضة استثنائية بتوجيهات ودعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” لتواصل مسيرة النمو والتنمية وتجد لها موقعاً مميزاً على الخارطة الدولية والاقتصادية والثقافية والسياحية العالمية، إذ تعتزم الحكومة جعل الدولة من أفضل دول العالم عمرانياً واقتصادياً وسياحياً وفقا لـ “مئوية الإمارات 2071”.
والإمارات اليوم واحدة من أجمل الدول في العالم، وتملك أسرع رحلة متفردة من التطور والحداثة، فبعد تصنيفها في الأمس القريب بأنها غارقة في بحر من الرمال، تمكنت بعد مرور 50 عاماً من بزوع فجر جديد من النهوض من وسط الرمال، وبدأ نبض الحياة يسري في أزقتها العتيقة، ورويداً رويداً أنشات مدن ذكية ورقمية ، وأصبحت تجمع بشكل متناغم بين المباني التاريخية والهندسة المعمارية الحديثة.
وتعد الإمارات من ضمن أقوى عشر دول في العالم لعام 2023 وفقاً لتصنيفات القوى العالمية التي نشرتها مجلة يو اس نيوز “US News & World Report” ويقيم التصنيف تأثير الدولة بناء على تصورات المشاركين لعوامل مثل القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وأشارت المجلة إلى أن اكتشاف النفط في الإمارات في منتصف القرن العشرين أدى إلى تحول سريع في اقتصادها وقالت إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات أصبح الآن يضاهي نظيره في دول أوروبا الغربية الكبرى.
وتتمتع الإمارات بالاقتصاد الأكثر تنافسية في العالم العربي وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وعززت الإمارات جاذبيتها من خلال جهودها التطويرية المستمرة على مستوى البنية التحتية وتنوعت معالم السياحة فيها، فمنها ما يواكب العصر وتحديثاته ومنها ما يهتم بتاريخ الإمارات وحكايات الأجداد، لذلك لم يأت وصف الإمارات بلقبي “دار زايد” و” درة الخليج” جزافاً، فالإمارات نظراً لاهتمامها بالتراث العريق أثبتت أنها دولة الماضي الأصيل بكل عبقه والتراث الشعبي بكل سحره وكما لها قدم في الماضي فلها عين لا تحيد عن المستقبل.
وأصبحت الإمارات وجهة للزائرين من دول العالم المختلفة، بعد أن حولت الكثبان المتحركة إلى واحات خلابة تزخر بالنشاطات السياحية المختلفة وتطبع أي رحلة إليها بطابعها المميز.
والإمارات ، تعد اليوم، قبلة السياح العرب والأجانب، لما تكتنزه من مواقع أثرية نابضة ولا تزال تحتفظ بسحر العالم القديم والأصالة التي تفتقر إليها العديد من بلدان كثيرة ناهيك عن المعالم المتفردة والطبيعة والطقس الجميل.
وشهدت الإمارات استثمارات كبيرة خلال السنوات الأربعين الماضية طالت كل شبر من أرضها الطيبة، ولم يكن أشد المتفائلين يتصور أن تلك الاستثمارات ستطول أيضا الطبيعة وأعلى قمم الجبال.
وأصبح الخيال واقعاً عندما لامست تلك الاستثمارات قمة جبل جيس بارتفاع يصل إلى حوالي 2000 متر فوق سطح البحر، وقمة جبل حفيت 1300 متر، ويعتبر الجبل أحد أهم المعالم الطبيعية الرئيسية في مدينة العين، ويضم معلم رئيسي آخر هو منطقة “المبزرة الخضراء”، ويضمن للزائر نزهة وسط التاريخ مما جعله يملك مقومات هائلة للاستثمار وجذب السياح العالميين.
واستقطبت قمتين جبليتين مشاريع سياحية استثمارية بملايين الدراهم ما جعل الإمارات تفتخر بجبال تنافس جبال أوروبا وآسيا، ولا يساور الزائرين لها قلق بشأن درجات الحرارة المرتفعة، خاصة مع وجود عدد من صالات التزلج على الجليد تعمل طوال العام في أكبر مراكز التسوق عالمياً.
وأضحت الإمارات اليوم واحة خضراء بعد أن كانت مجرد أودية مقفرة، وشوارع متربة ومساحات رملية، وأرضاً لم تكن على صلة بالزراعة لندرة المياه فيها ولقربها من البحر، إذ أصبحت تلك الأراضي السبخة والقريبة من الشاطئ آية من آيات الجمال المبهر بعد أن نجحت الإمارات في زراعتها على مد البصر بأشجار القرم، في حين فشلت تجارِب زراعتها في معظم دول العالم.
ولأن الإمارات تتبنى المستقبل الأخضر ، فإنها تستهدف زراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030 ضمن المشروع الوطني لعزل الكربون والحياد المناخي بحلول عام 2050.
وجادت الطبيعة عطاءً على دولة الإمارات فجعلتها فريدة القسمات يشعر زائرها بالهيبة والفخر والانبهار وبعد مضي نصف قرن من الاتحاد تعتبر زيارتها ضربة حظ لا تتيسر للكثيرين والعيش بها يعتبر حلماً وامتيازاً كبيراً لا يناله إلا قليل من البشر.
وحتى أبقار البحر النادرة أوت إلى شواطئها تلتمس الرزق والحياة في أمان واستقرار، لتقدم الإمارات نفسها لاعباً دولياً كبيراً في برامج حماية هذا النوع من الكائنات البحرية باحتضان أكثر من 3000 من بقر البحر أو “الأطوم”، وتتمتع بأهمية كبيرة خاصة في مدينة أبوظبي ، والصيادون يتوددون لها ويسعون لحمايتها رغم أنها السبب في تقطيع شباكهم في بعض الأحيان.
ومن أراد البحث في ماضي الإمارات واستذكار حياة الشقاء التي سبقت الاتحاد لابد أن يذهب للبحر في ساعات الصباح الباكر، وبومجرد وقوفه على الشاطئ، لابد أن يجد أحداً من الرعيل الأول منهمكاً في إصلاح الليخ “شبك الصيد” أو يعمل بتجهيز “طراده” لرحلة صيد، فيدرك الواقف على الشاطيء منذ الوهلة الأولى أن للإمارات قدماً في الماضي وعين على المستقبل.
وهذا حال المواطنين أحمد محمد سعيد آل علي ومحمد أحمد التميمي، وهما يتجاذبان أطراف الحديث بالقول ” ماضي الإمارات يختلف عن الحاضر، وهذا شيء بديهي، ومن سنن الحياة، حيث كنا لا نجد عملاً نعتاش منه، فنجازف وننزل البحر إما للصيد أو للبحث عن اللؤلؤ والبعض يذهب بعيداً للإقامة في الجزر أو إلى إحدى دول الجوار أو السفر أبعد من ذلك للتجارة مع شرق أفريقيا والهند”.
ويعود المواطن آل علي بذاكرته إلى منتصف القرن الماضي قائلا “ كان أهل الإمارات جميعاً يعيشون في بيوت أغلبها من ”العريشط – سعف النخيل -، وقليلها من الجص “الحصى”، وكانت الأخيرة تسمى مخازن ولا يتعدى بناءها الطابق الواحد فقط، وليس كما هي الآن، أبراجا زجاجية تناطح السحاب وكان الرجال يعملون في الغوص وصيد الأسماك، فيما كانت النساء تستخدم “سعف النخيل” في صناعة بعض الأشياء اليدوية المستخدمة في المنزل كأغطية الطعام، والفرش، والسدو، بغرض الاستعمال الشخصي أو التجارة وهكذا كانت تسير الحياة ببطء شديد”.
ويصف التميمي الحال في ذلك الوقت قائلاً “ كانت مجرد صحراء جدباء لا يوجد بها شوارع أبدا معبدة – وإن وجدت – تكون طرقات رملية غير مرصوفة بالإسفلت، ولا يوجد فنادق أو بنايات سكنية والأسواق شعبية ومعدودة على أصابع اليد الواحدة، وبناؤها ضيق من الخشب و”الشينكو” – ألواح من الصفائح المعدنية -.
ويستذكر ” كانت الحياة قاسية علينا والموارد شحيحة، وعشنا سنوات عوز، يحاصرنا البحر من كل جانب، لكننا نجد في زرقته بصيص أمل للرزق الحلال، وكان الوضع ميؤوسا منه، خاصة مع تراجع صناعة صيد اللؤلؤ بدءاً من الثلاثينيات وما بعدها”.
ذلك كان الحال في الإمارات التي عاش فيها المواطن أحمد محمد سعيد آل علي الذي كان يبحر لأشهر ويقيم في الجزر وسط البحر من أجل إعالة أسرته، وجاءت أوائل الستينات والوضع كما هو وبدأت الأمور تتحسن خاصة مع اكتشاف النفط بكميات تجارية وتصدير أول شحنة في عام 1962. ولكن كثير من الدول لديها النفط ولم تستطع السير في درب الرقي والتحضر، وكما أكرم الله الإمارات أن سخر لها المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” والذي عرف كيف يستثمر الثروة في بناء الانسان أولاً.
المصدر: وكالة أنباء الإمارات