من أكبر الأخطار التي نواجهها في علاقتنا بالآخرين هو الافتراض العام بأننا نفهم الناس وأن بإمكاننا تصنيفهم والحكم عليهم سريعاً، هذا الافتراض من وجهة نظري نرجسي ومتهور فيجب علينا أن ندرك أن الآخر لا يشبهنا ويختلف عنا إلى حد كبير .. وقد لا يشاطرنا نفس القيم، فكل إنسان تقابله له تركيبه النفسي الخاص جداً والذي يجب أن تستكشفه بأناة، إضافة لاختلاف الناس نفسياً..
يجب أن نعي أن هناك انحيازات طبيعة تجعلنا نخطئ في حكمنا على الناس، فالناس حولنا لا يظهرون بمظهر يناسب غاياتهم وبالتالي يغيب عنا مظهرهم الحقيقي، لذلك أدعوك للتحلي بروح منفتحة ومرنة تمتلك الرغبة في استكشاف الآخر وتتقبل كل ما سيواجهها به من احتمالات وخيارات وربما مفاجآت.
تلك الروح التي أحدثك عنها يحركها عنصر أساسي واحد يجب أن تحاول استكشافه وهو فهم مقاصد الناس ففي الغالب الأعم هناك عاطفة خلف كلمات الناس وحركاتهم وحتى سكناتهم وهذا ما يسميه المختصون “بالتشاعر” وهي حالة عقلية وطريقة مختلفة للاتصال بالآخر، يعد التشاعر أداة للمناغمة العاطفية، يظهر التشاعر كاستجابة نفسية غريزية عند معظم البشر، فقد يكون من الصعب عليك قراءة أفكار الآخر واكتشافها لكن جميعنا يغلب علينا الميل إلى إدراك عواطف الآخر واستكشاف مشاعرهم وتمييز مزاجاتهم على إختلافها، والتي تظهر جلية في نبرات أصواتهم وإيماءتهم ووضعية أجسادهم، فالحدود الفيزيائية التي تفصلنا عن الآخر هي أكثر نفاذية مما نعتقد ومما تبدو عليه.
يعتمد هذا النمط على خلايا عصبية تسمى “المرآتيه” تنشط في أدمغتنا عندما نراقب شخصاً يفعل شيء ما، تمكننا هذه الخلايا من وضع أنفسنا محل الآخرين والشعور بما يشعرون به للحظات، يحفز عكسك لمشاعر الآخر أشكالاً من الاستجابات، أبسطها هي الاستجابة الفيزيائية فتميل لتقليد من تتصل به عاطفياً في إيماءته وطريقة جلوسه، لكن الاستجابة الأكثر عمقاً هي استجابة نفسية فتنشغل بمزاج الآخر بعمق وتعكسه إليه مما ينشأ شعور بالوفاق العاطفي الذي يتشبث به الناس لأنهم يفتقدونه في حياتهم فتأثيره أشبه ما يكون بالتنويم المغناطيسي، لذلك عندما تمارس التشاعر لا تغفل المحافظة على مسافة فاصلة حتى لا تجعل نفسك رهينة لمشاعر الآخرين فيصعب عليك تحليل المواقف ومن ثم تفقد سيطرتك عليها.
إذا اعتبرنا أن التشاعر مهارة تساعدك على فهم الناس بمستويات عميقة، فإن هذه المهارة سوف تتطور لديك كلما زاد عدد الناس الذين تتعامل معهم وتنوعت ثقافاتهم وخلفياتهم، وتذكر دائماً أن تحافظ على تدفق أفكارك، فأفكارك يجب ألا تستقر بالحكم على الآخر مطلقاً بل يجب أن تندفع إلى ما وراء ذلك عندها ستلاحظ أن الحياة أصبحت أكثر انقياداً وأصبحت تتجنب كثيراً من الصراعات التي لا داعي لها وتتقي الكثير من إساءة الفهم.
وتذكر دوما “المبدأ الأعمق في الطبيعة البشرية هو التماسها للتقدير”. وليام جيمس