الخرس العاطفي

بقلم / د. ولاء قاسم

من أهم المشكلات التي تصيب الأزواج هي عدم القدرة على التواصل الفعال ، فكثير من الأزواج مصابون بحالة من “الخرس العاطفي ” ، هؤلاء الأزواج يكونون عاجزين عن التعبير وترجمة مشاعرهم وصياغة احتياجاتهم في شكل كلمات وعبارات مفهومة للطرف الآخر .

كل ما يمكنهم القيام به هو استخدام أساليب سلبية لإجبار شريكهم على إظهار المزيد من العاطفة والحب وعلى رأس تلك الأساليب التزام الصمت والتباعد الوجداني وكبح عواطفهم عن الشريك ظناً منهم أن ذلك يدفع الشريك للتجاوب العاطفي معهم .
وأحياناً في غمرة اليأس وفي ظل هذا القمع العاطفي قد يصبحون أكثر إزعاجاً وأكثر ميلاً للانتقاد فتتحول مشاعر الإحباط الناتجة عن الاحتياج العاطفي غير المسدد الى قنبلة موقوته تنفجر في وجه الشريك لمجرد حادث عابر أو خلاف بسيط في وجهات النظر .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا نعجز كأزواج عن التصريح عن ما ينقصنا وما نريده من شركائنا من عاطفة أو اهتمام بكلمات واضحة وصريحة ؟؟!!

لنجد الإجابة عن هذا السؤال دعونا نعود لمشهد كنا عليه عندما كنا أطفالاً ، فلم يكن بمقدورنا صياغة احتياجاتنا في شكل كلمات، ولم نعبر عن ضيقنا وكدرنا بعبارات صريحة ، ولم نكن أيضاً نبتسم في وجوه أمهاتنا برقة لندفعهم للاعتناء بنا ، بل كل ما كنا نقوم به أن نفتح أفواهنا ونبدأ بالصراخ ، وكلما كان صراخنا أعلى تجاوب الآخرون معنا بسرعة وفعالية أكبر ، وقد اختزلنا ذلك التكتيك الناجح في ذاكرتنا تحت مسمى ( كيف تجعل الآخر يتجاوب معك ).

ملخص ذلك التكتيك ” عندما تكون محبطاً استفز من حولك ، وكن مزعجاً بقدر استطاعتك ليحضر من تحب وينتشلك مما أنت فيه ” ، واستمر هذا التكنيك الذي يمثل وسيلة بدائية يستخدمها الأزواج بكثرة .

في مشهد آخر كان الطفل فينا يرقد في مهده متطلعاً الى تلك المخلوقة المحببة إليه ( أمه) تميل عليه محاولة تخمين احتياجاته التي كانت تلبى دون أن ينطق بحرف واحد ، فأصبح هذا الطفل راشداً لكنه كمن تعلم درساً قبل مرحلة الكلام ووقر في عقله وتمسك به فأصبح ينتظر الآخر كي يخمن احتياجاته ويهبها له دون أن يكلف نفسه مشقة الإفصاح عنها.

ومع استمرار هذه الرؤية الطفولية للعالم ، يستمر الأزواج في عدم مصارحة بعضهم بحاجاتهم بالتزامن مع الاستمرار في انتقادهم لأنهم لم يستطيعوا أن يخمنوا هذه الاحتياجات، فتختفي الطمأنينة من العلاقة ويسود النزوع الى صراع القوى حيث يحاول كل منهما فرض إرادته على الآخر بأن يجبره على تلبية احتياجاته .

وعلى الرغم من إن الزوجين يجابهان هذه المناورات بعدوانية متجددة تلقي بظلالها القاتمة على العلاقة
إلا أنهم يستمرون في القيام بها وهو مايسميه عراب علم النفس فرويد ب” التكرار القهري ” وهي نزعة تتملك الإنسان بأن يعيد نفس السلوك غير الفعال مراراً وتكراراً.

بدوري أود التساؤل هنا أليس من الأجدى أن نتخلص من النكوص الى استجابة الطفل البدائية التي لا تنتج سوى مزيداً من التورط في خطوات متعثرة على صعد حياتنا العاطفية ؟؟!
أليس من الأجدى أن نتعلم عن طرق التواصل الفعال والمهارات اللازمة للتعبير عن المشاعر وتعزيز التفاهم بدلاً من هذه العملية التي نشحذ فيها رماحنا لاختراق الدفاعات النفسية للشريك باستخدام الجفاء والصمت العقابي أو النقد والإزدراء؟؟!.

 

Exit mobile version