رهاب المشاعر

بقلم / د. ولاء قاسم

نشأ الكثير منا في أسر تقليدية كان التعبير التلقائي عن المشاعر فيها ممنوعا ويعد انتهاكا ، فربما تعرضت للعقاب إذا رميت غرضا علي الأرض وصفقت الباب خلفك قي تعبير عن الغضب أو تم وضعك في مواجهة مباشرة مع شيء تخافه دون أخذ مخاوفك الطفولية في الاعتبار أو تم تعنيفك إذا بكيت تعبيراً عن الضيق أو الحزن دون أن يقدم لك الوالدان أي بديل صحي للتعامل مع مشاعرك فأصبحت تخاف مشاعرك فتسعى لتجنب العواطف العميقة والتغلب عليها مبكراً باعتبارها مهدداً !!

الشعور بأن التعبير عن العواطف العميقة أو مجرد اختبارها يجلب العار أو العقاب يؤدي الى مايسميه المختصون ب ” رهاب المشاعر” ، فنحن هنا بصدد أشخاص تعملوا ربط معظم مشاعرهم الشخصية وخصوصاً تلك التي تعبر عن الحميمية العاطفية بأحكام على أنفسهم بأنهم مندفعون أو سيئون أو يعانون من الهشاشه وعدم الصلابة ، نتيجة ذلك سعوا إلى تثبيط ردود أفعالهم الحقيقية وطوروا سلوكيات دفاعية بدلاً عن اختبار المشاعر والدوافع الحقيقية .

يعاني هؤلاء الأشخاص من رد فعل تلقائي يعبر عنه بقلق بالغ عند أي اتصال عاطفي عميق ، وأكثر المشاعر أصالة تجعلهم يشعرون بأنهم عراة ومكشوفون أمام الآخرين فقد كرسوا حياتهم لتصدير واجهة دفاعية صارمة تحميهم من قابلية التأثر العاطفي بالآخرين .

هذه الفئة من الناس يظهرون مشاعر متأججة لكنها شديدة الضحالة فيمارسون التفاعل السريع ، قد يدخلون في نوبة غضب هدامة أو نوبة بكاء شديدة لكنها خاطفة لاتعبر عن عمق مشاعر الاستياء ، كل تعبيراتهم العاطفية خاطفة كلمح البصر ، ردودهم العاطفية دراماتيكية لكنها ليست عميقة مثل حجر يلقى في الماء لكنه يحازي السطح بدلاً من أن يمضي نحو الأعماق ، ونتيجة لتلك الضحالة في المشاعر لا يستجيب من يشاركهم في العلاقة لكربهم ويتعلم عدم الاكتراث لهم لصالح نجاته العاطفية.

أصحاب رهاب المشاعر لا يختبرون المشاعر المختلطة ولا يتمكنون من مزج المشاعر مع بعضها فلا يستطيعون مثلا مزج الفرح بالمسئولية أو الغضب بالحب ، فلديهم رد فعل عاطفي مثكف وأحادي البعد ، لذلك هم لا يستوعبون التعقيد العاطفي للحياة ، ولا يمكنهم اختبار مشاعر مختلفة تعكس الفروق الدقيقة للمواقف ، فتكون ردودهم أبيض أو أسود ويستبعدون المساحات الرمادية مما يفقدهم فرصة الحصول على تجربة عاطفية أعمق وأنضج في الحياة.

أما عند ممارسة أصحاب رهاب المشاعر لأدوارهم الوالديه فإنهم ينقلون هذا الخوف الى أطفالهم لدرجة أن هؤلاء الاطفال قد يخافون حتى من البكاء حيث يسرع الأباء الى حل محنتهم العاطفية دون السماح لهم بالتعبير فلا يدركون أن البكاء يتوقف طبيعا من تلقاء نفسه إذا سمح للشخص بالتعبير الكامل ، لذلك فهولاء الأطفال قد لا يختبرون الإيقاع الطبيعي لنوبة بكاء وكيف تنتهي ، كما أنهم يخشون حتى مشاعر الفرح والإثارة لأنها عادة ما تغلف بالقلق.

الأمهات والأباء أصحاب رهاب المشاعر لا يسمحون لأطفالهم بعيش حالة الاثارة والفرح الطبيعية للأطفال فيمكننا اعتبارهم مفسدين للبهجة ودائما ما يقولون شيئاً رافضاً أو متشككاً لتثبيط جذل أطفالهم والتقليل من حماستهم وخفض سقف توقعاتهم.

الأطفال الذي يعيشون في بيئة أسرية يغلب عليها رهاب المشاعر رغم حصولهم على رعاية مادية جيدة إلا أنهم يشعرون بالوحدة وهذا يؤدي إلى الشعور بالإرتباك فرغم أن لديهم أدلة دامغة بأن والديهم أحبوهم وضحوا من أجلهم إلا أنهم يشعرون بافتقار للأمان العاطفي والتقارب مع والديه.