حياتنا بين الثريدوف والكنتاكي.. اختلفت المسميات والجوع واحد

بقلم : إبراهيم المحجوب - العراق - الموصل

كنا نعيش قبل خمسة عقود من الزمن في قرية نائية تقع في منطقة جنوب الموصل وكانت هذه القرية يعتبر سكانها عائلة واحدة من حيث التراحم والتواصل الاجتماعي فعندما تدخل الفرحة الى أحد بيوت القرية فإنها سوف تدخل إلى قلوب جميع سكانها…

كانت الألفة والمحبة بينهم شيء مميز يتفاخرون به ويعتبرونه اساس لبقاء مكونهم ضمن هذه القرية وما أن دخلت الحياة المدنية الى عالم الأرياف واصبح ابن القرية الريفية موظف في احد دوائر الدولة سواء في المسلك العسكري او المدني حتى أصبح أبناء القرى يميلون في توجهاتهم الى الحياة المدنية ولابد من الوصول اليها لأسباب عديدة اولها البحث عن حياة حضرية تتوفر فيها وسائل الراحة وثانيا الاهتمام بمستقبل الجيل الجديد من ناحية التحصيل الدراسي لأبنائهم والحصول على الشهادات الأكاديمية ولكن لم يكن يعرف ابن القرية إن كل هذه الأفكار المدنية سوف تصل الى مناطق سكناهم تلقائياً مع تطور الحضارة المدنية وبدون الذهاب الى المدينة وهذا ما أثبتته الأيام التي نعيشها اليوم فأغلب القرى قد تحولت الى مدن صغيرة وأصبحت تتوفر فيها الحياة العصرية بكل مفرداتها ومشاريعها الحيوية والخدمات العامة واصبحت البصمة العلميه كبيرة لأبناء القرى والأرياف وأصبحنا نحتفل يومياً بحصول أحد أبناء هذه القرى على شهادة علمية مرموقة وهذا كله بفضل التطور التكنولوجي الذي وصل الى ابعد نقطة في الريف العراقي…

وعودة الى الماضي القريب وعن مفردات بعض التقاليد والعادات التي كنا نعيشها في ذلك الزمن الجميل وربما نطلق عنه جميل لأسباب عدة منها جمالية قلوب الناس الذين كانوا يعيشون هناك وجمالية التعامل والصفات الحميدة الموروثة الأخرى كالكرم ومعرفة الانساب والجود بما تملكه النفس للضيف وللمحتاج…. كنا نعيش كأصدقاء أو أقارب أبناء قرية واحده نجتمع يوميا وفي أغلب أوقاتنا في مكان واحد ربما يكون أقرب مرتفع الى القرية ويسمى التلة أو العلو أو الرسم ونتكلم عن حياتنا البسيطة وأحياناً نتطرق الى الاكلات الشعبية الموجودة في عالمنا وواقعنا هناك…

كان سيد الموقف والأكلات في الريف العراقي هو أكلة الثريد الذي تطورت اسمائه وأصبح يسمى في يومنا هذا التشريب بلونيه الابيض والاحمر وكانت الأكلات الأخرى المرادفة له أكلات بسيطة ومتعارف عليها لدى كل أبناء الريف اليوم…

وبعد أن غزتنا الحياة المدنية واستقر بنا المطاف في المدن الكبيرة نذهب مع بعض الاصدقاء أحياناً الى المطاعم الموجودة في مدينتنا مدينة الموصل والتي استقربنا مطاف السكن منذ عدة عقود وما أن يأتي عامل المطعم حتى يقدم لنا قائمة المأكولات الموجودة لديهم ومع الأسف الشديد وربما أجد إن أغلب أسماء المأكولات قد تحولت الى أسماء أجنبية كالكنتاكي والاسكالوب وغيرها من المأكولات التي كنا نسميها بأسماء ثابتة وتتبع مصادر لحومها الى صنفين البيضاء منها والحمراء وكل مسمياتها باللغة العربية ومفهومة لدينا أما اليوم وتعظيما مني لكلمة الثريد فإنني أجد إن مصطلحات مأكولاتنا الشعبية بين الثريدوف والكنتاكي ورغم اختلاف تلك المسميات الا أن الطعم واحد عند الجوع الشديد…