أزمة غير مسبوقة في عصير البرتقال

واصلت أسعار عصير البرتقال التحليق إلى مستويات قياسية، مدفوعة بسوء الأحوال الجوية وتفشي الأمراض في البرازيل، أكبر مصدر في العالم، وقد حث ذلك الشركات المصنعة لاستكشاف إمكانية استخدام اليوسفي بديلاً لإنتاج العصير.

وشهدت سوق العقود الآجلة لعصير البرتقال، التي تتيح للجهات الفاعلة في القطاع التحوط ضد تقلبات الأسعار، ارتفاعاً منذ أواخر عام 2022، عندما تسبب إعصار أعقبته موجة من البرد القارس، في تدمير فدادين شاسعة من بساتين البرتقال في فلوريدا، المنطقة الرئيسة لزراعة البرتقال في الولايات المتحدة، ثاني أكبر منتج في العالم، لكن الارتفاع قد تسارع بحدة خلال الشهر الماضي، وسط انتشار حالة من الذعر في السوق إزاء مؤشرات لموسم حصاد ضعيف في البرازيل.

ووصلت العقود الآجلة لعصير البرتقال المركز، المتداولة في بورصة إنتركونتيننتال في نيويورك، إلى 4.92 دولارات للرطل، أي ما يقرب من ضعف الأسعار قبل عام.

وقال كيس كولز، رئيس الرابطة الدولية لعصائر الفاكهة والخضروات (IFU): «هذه أزمة.. لم يسبق لها مثيل. لم نر شيئاً كهذا من قبل، حتى خلال موجات الصقيع الشديد والأعاصير القوية».

ووفقاً للرابطة، أثار النقص الحاد المخاوف من ارتفاع الأسعار الذي سيؤثر على المستهلك، كما سيحدث تغييرات جذرية في صناعة عصير البرتقال العالمية.

وعادةً ما يمكن للمصنعين التغلب على اختلافات النكهة بين المواسم عن طريق مزج مخزون عصير البرتقال المجمد – الذي يتمتع بعمر افتراضي يصل إلى عامين – من الموسم السابق مع المحصول الجديد. لكن تراجع الإمدادات لثلاث سنوات متتالية أدى إلى نضوب المخزونات.

وبحسب كولز، يمكن أن ينطوي الحل طويل الأمد لندرة البرتقال على إنتاج عصير البرتقال من اليوسفي، حيث تعد أشجاره أكثر مقاومة للتغيرات المناخية في مناطق الزراعة. وذكر أن الخيار الوحيد على المدى الطويل، ربما يكون «استخدام أنواع مختلفة من الفاكهة».

وتقوم الصناعة بتجربة هذا النهج بالفعل، ففي اليابان، التي تستورد عادة 90% من عصير البرتقال، أغلبه من الفاكهة البرازيلية، تفاقمت أزمة الإمدادات بسبب ضعف الين، ما زاد من تكاليف الاستيراد.

ولجأت شركة «سيفن آند آي هولدينغز»، المالكة لسلسلة متاجر «سفن – إليفن»، إلى الإمدادات المحلية من اليوسفي في البلاد، حيث قدمت منتج عصير من اليوسفي والبرتقال.

وذكر كولز أن الرابطة الدولية لعصائر الفاكهة والخضروات تنظر في بدء العملية التنظيمية للسماح باحتواء المشروبات على ثمار حمضية غير البرتقال، وهذا يستلزم إدخال تغييرات تشريعية، بدءاً من دستور المعايير الغذائية الذي وضعته هيئات الأمم المتحدة، ثم على المستوى الوطني، مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وتعود جذور الأزمة الحالية في الإمدادات إلى 20 عاماً، عندما تم اكتشاف مرض اخضرار الحمضيات للمرة الأولى في الولايات المتحدة، وهو عبارة عن مرض لا علاج له ينتشر بوساطة الحماطيات (قمل النبات القافز أو براغيث الأوراق) الماصة لنسغ النبات، والتي تسبب مرارة في ثمار الشجرة قبل موتها كلياً.

وبحلول عام 2008، انتشر المرض في جميع أنحاء فلوريدا، التي كانت في الماضي توفر أكثر من 80% من الإمدادات الأمريكية. وقال كولز إن ولاية فلوريدا كانت تنتج ما يقرب من 240 مليون عبوة من عصير البرتقال سنوياً قبل 20 عاماً، لكن الأوضاع تفاقمت بسبب تغير المناخ، وانخفض الإنتاج حالياً إلى 17 مليوناً فقط. وتدخلت البرازيل لتعويض النقص، ولكن القوة العظمى الزراعية في أمريكا الجنوبية بدأت تواجه هي الأخرى صعوبات في الوقت الراهن.

ووفقاً لتقديرات فونديسيتروس، منظمة مزارعي الحمضيات، انخفض الإنتاج بمقدار الربع هذا العام ليصل إلى 232 مليون عبوة من البرتقال. وقال أندريس باديلا، المحلل في رابوبنك، إن بساتين البرتقال في البرازيل تعرضت لدرجات حرارة أعلى من المتوسط، وهطول أمطار أقل من المتوسط، مضيفاً إن أقل من ثلث المزارع تم ريها، وحتى هذه المزارع «تكافح من أجل التكيف». ويقدر رابوبنك أن ما يقرب من 40% من بساتين البرتقال في المنطقة الرئيسة للزراعة جنوب شرق البلاد مصابة بمرض اخضرار الحمضيات.

وقال باديلا إن المرض يتسبب كذلك في تساقط ثمار البرتقال قبل أوانها، ما يدفع المزارعين إلى قطفها في وقت مبكر عن المعتاد، ما يؤثر مرة أخرى على «المذاق والنكهات»، موضحاً أن هذا «يضع المزيد من التحديات أمام صناعة عصير البرتقال».

وأضاف كولز إن الطريقة الوحيدة لعلاج الداء هي اقتلاع الشجرة، «وهو ما يتردد المزارعون في القيام به في ظل وجود برتقال على الشجرة.. لكن المحصول رديء ونوعية الثمار سيئة».

ويقول المسؤولون التنفيذيون في الصناعة إنه من المحتمل أن يظل المستهلكون يشعرون بهذه التداعيات لسنوات، حيث تقوم العديد من الشركات المصنعة بتمرير التكاليف المرتفعة إلى عملائها.

وقالت سارة بالدون، الرئيسة التنفيذية لشركة «بيوريتي سوفت درينكس»: «نظراً لهذا المزيج من العوامل المضطربة والمتقلبة، اضطررنا إلى مراجعة أسعار وأحجام مشروباتنا».

في الوقت نفسه، لا يظهر الطلب من المستهلكين أي مؤشر على التراجع. وقال جاك سكوفيل، الوكيل لدى مجموعة برايس فيوتشرز في شيكاغو، إنه قبل تفشي جائحة كورونا، كان بعض الأمريكيين قد توقفوا عن شرب عصير البرتقال بسبب مخاوفهم إزاء نسبة السكر المضافة، واتجهوا إلى تناول المكملات الغذائية للحصول على جرعتهم اليومية من فيتامين سي، لكن «أثناء الوباء عاد الكثير من الناس لشرب العصير مرة أخرى».