لاتكن اسفنجة عاطفية !!

بقلم / د. ولاء قاسم

التعاطف سمة إنسانية نبيلة تضيف للعالم معاني سامية لكنها أشبه بحديقة مثمرة تحتاج أسوراً عالية لتحميها من اللصوص ، جميعنا نحتاج الى ضبط مستويات التعاطف الى درجة صحية تحافظ على رفاهيتنا الشخصية وإلا سيقودنا الإفراط في التعاطف إلى اهمال الذات والاستغراق في المحيطين ويجذب الى حياتنا المستغلين .

نحن اليوم بصدد الحديث عن أشخاص مفرطين في التعاطف تصفهم الدكتورة جوديث اورلوف وهي من الرواد في دراسات التعاطف بأنهم يمتصون أفراح وأتراح العالم من حولهم ( كالإسفنج العاطفي).

من المهم أن تتعرف على سمات الأشخاص المتعاطفين لتقرر إذا كنت ضمن هذه الفئة من الناس ،
المتعاطف شخص شديد الحساسية يشعر المقربين منه براحة كبيرة بالتحدث إليه لأنه يلتقط بسهولة معظم الإشارات العاطفية التي يصدرها الناس من حوله ويتأثر بها ولا يكتفي بمشاركتهم وجدانياً بل يشعر أن مشاكلهم تخصه شخصياً فيُستنزف طاقته ومشاعره لأنه يفشل في رسم حدود صحية في علاقاته ، ويتجنب الصراع ويخشى من الخلافات ويستمر في العطاء ولو على حساب صحته وطاقته ،لذلك غالباً من يكون المتعاطف إنطوائياً لا يحبذ التواجد في التجمعات والضوضاء بل يفضل البقاء وحيداً لإعادة شحن طاقته التي يتم استنزافها .

وأود هنا أن أشرح لكم جذور شخصية المتعاطف وسبب نشوءها ، الشخص المفرط في التعاطف تحركه رغبة لا واعية في الحصول على الحب من الآخر نتيجة إساءة عاطفية مبكرة أو قصور عاطفي لدى أحد الوالدين أو كليهما فيشعر الطفل أنه مرفوض أو غير محبوب من قبل والديه أو مقدم الرعاية له ولا يتلقى الحب غير المشروط الذي يحتاجه جميع الاطفال والذي يشتمل على التطمين والتشجيع والقبول مما يشعر الطفل بتدني القيمة الذاتية فيكبر ويكبر معه جوعه للعاطفة فيقتات على فتات الحب الذي يحصل عليه ممن يتعاطف معهم حتى لو اقترن ذلك بالإيذاء أو الاستنزاف فقد تعود منذ طفولته على غياب الحب غير المشروط وأن تلقى الحب لابد له من ثمن فارتبط عنده الحب بالألم .

من أسوء ما يعاني منه المتعاطف هو الإرتباك بشأن هويته وذاته الحقيقية فهو يميل الى إنكار أو إخفاء رغباته ومشاعره وتفضيلاته الحقيقية ليتوائم مع الشخص الذي يشاركه العلاقة ، فيتلون مزاجه بحسب مزاج الآخر ولا يستطيع التفريق بين مشاعره ومشاعر الآخر ليجد نفسه في النهايه متورط مشاعرياً ومثقلاً بركام عاطفي لا يخصه ، ولما كانت الأضداد تتجاذب طبيعيا وبرغم قوة حدس المتعاطف لكنه يجذب الى حياته النرجسيين والسامين ومصاصي الطاقة نتيجة لطفه ودماثته المبالغ فيها فيمارسون على المتعاطف تكتيكات التلاعب من اللوم والاسقاط والإنكار .

إذا وجدت ان السمات السابقة تنطبق عليك وصنفت نفسك ضمن هذه الفئة فأنا هنا أدعوك لاتباع بعض الاستراتيجيات والخطوات لحماية نفسك من التلاعب والاستنزاف ، ولعل أهم تلك الخطوات هي رسم حدود حازمة في العلاقات تضمن استمرار العلاقة بسلاسة دون المساس بمسار إحتياجاتك الشخصية ، لتعرف ما الذي تسطيعه تحمله ومالذي يتجاوز طاقتك وما الذي توافق عليه وماستقابله بالرفض والامتناع .

من المهم بالنسبة إليك كشخص متعاطف توفير الوقت للرعاية الذاتية والانسحاب قليلاً لشحن طاقتك بالتواصل مع الله بالعبادات وكتابة اليوميات التي ستساعدك في تفريغ الخردة العاطفية التي قمت بتجميعها من المحيطين ثم كتابة خطة بديلة لترشيد العاطفة وقطع الامداد العاطفي عن من تشعر انه يستنزفك عاطفيا، فإذا كنت تشعر بالإرهاق بعد التواصل مع أحد المحيطين فلا تفتح نفقا لتمرير طاقتك إليه ولابد من قطع العلاقة معه في سبيل نجاتك العاطفية ، أما اذا كان من الأهل أو المقربين فاجعل التواصل قصيراً وسطحياً دون إخلال بالتزاماتك الاجتماعية .

أخيراً سأدعوك للتوقف فوراً عن الشعور بأن بإمكانك معالجة المجتمع وإصلاح حياة الناس ، وتذكر أن كل شخص مسؤول عن مشاعره وسلوكياته فلا تحمل نفسك أوزار الآخرين وتذكر أنك لن تستطيع إسعاد شخص لا يرغب بإسعاد نفسه وأن كل مشكلة في حياة الناس هي خبرة تحمل رسالة لها منحى تعليمي في مسيرة نموهم الذاتي فرحلة الحياة فردية تماماً ،
لا بأس بشيء من التبصير والتنوير ومد يد العون لكن تدخلاتك ومحاولتك المتكررة لانتشالهم من ورطاتهم ستعيق نموهم وتطورهم .

 

 

Exit mobile version