الموروث الشعبي .. وتحفيز ثقافة النهوض بتوثيقه
بقلم : نايف عبوش - كاتب عراقي
الثقافة التراثية الشعبية ثقافة نقلية.. ينقلها العوارف والرواة من السلف إلى الخلف في حديث المجالس .. وهي شأنها شأن الثقافة العربية طللية.. بما تتميز به من انجذاب عاطفي نحو الماضي، بكل ما يحمله ذلك الماضي من أصالة القيم والتقاليد والشعر والأدب والفروسية ومكارم الأخلاق..
وقد تميز بين القوم.. عدد من الرواة.. قيض لنا أن نعاصر البعض منهم.. ونستمع إلى مروياتهم في التراث.. ففي خمسينات القرن الماضي.. فقد كان الراوية النابغة كندير يرتاد مضايف الديرة.. حتى أواخر ستينيات القرن الماضي،ويقضي ليلته ضيفاً فيها.. حيث كان يسترسل بالسرد في مجالسها، إلى وقت متأخر من الليل..وبطريقة جذابة لا يمل منها الحضور، بل ويلحون عليه في كثير من الأحيان، طالبين منه سرد المزيد من حكايات التراث عليهم…
وتجدر الإشارة إلى أن الملا ضيف الأحميد المصطفى.. كان أيضاً من فحول الرواة ومن أعلام النسابة… حيث كان يسرد مروياته بطريقة سلسة، وبأسلوب قص سردي بليغ، يأسر المتلقين.. فكان مصدراً لكثير من الباحثين في الأنساب والتراث.. كما إن الأديب إشعموط كان هو الآخر، راوية متمكناً يجمع بين الفكاهة ، وحكايات التراث بشكل محبب… بحيث لا يمل السامع حديثه..في حين كان الأديب محمد العبيد الضاحي، نسابة تراثيات متميزاً، في سردياته ، التي تجذب المتلقي اليه برغبة جامحة،كي لا يفوته من حديثه شيء منها..
لقد كان لأولئك الرواة الأفذاذ، وغيرهم.. فضل ولمسة واضحة، في تكوين الثقافة التراثية الجمعية لجمهور ريف الديرة.. ولأن وسائل التوثيق لم تكن متاحة يوم ذاك .. بالشكل الذي هي عليه اليوم لتدوين مروياتهم .. فقد فات الكثير مما رووه وجادت به قريحتهم.. وبذلك فقد ترك رحيلهم فراغاً واضحاً في الساحة التراثية بالعراق.. بما تميزوا به من مواهب فطرية إبداعية، استظهاراً ، وسرداً نقلياً.. مما بات يتطلب من الكتاب والأدباء المهتمين بالتراث ،المبادرة على عجل، لتدوين ما تركوه من مرويات ،في التراث والموروث الشعبي في كافة مجالاته وتوثيقها، وجمعها في كتاب.. للحفاظ عليها من الضياع بمرور الوقت .. لتكون وسيلة لاطلاع الأجيال القادمة، ومرجعاً متاحاً للباحثين، والمهتمين بالتراث مستقبلاً ..
ولعل التوكيد على موضوعة الموروث الريفي الشعبي التقليدي، والنهوض بثقافة توثيقه ، يظل هاجساً مشروعاً، وأمراً مطلوباً باعتبار الموروث الشعبي ، نتاج هوية أصالة ، وينبغي الحفاظ عليه من المسخ والتشويه ،بتداعيات العصرنة الصاخبة بجوانبها السلبية..الأمر الذي يؤرق المهتمين بالتراث خاصة، ويجعله موضع قلقهم، لاسيما وأن تداعيات العولمة جارفة، وفي طريقها لكنسه، لتتركنا مستلبين بلا ملامح..