The53rd Eid Al Etihad Logo
مرئيات

‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ .. ‬وتحفيز‭ ‬ثقافة‭ ‬النهوض‭ ‬بتوثيقه

بقلم‭ : ‬نايف‭ ‬عبوش‭ - ‬كاتب‭ ‬عراقي

الثقافة‭ ‬التراثية‭ ‬الشعبية‭ ‬ثقافة‭ ‬نقلية‭.. ‬ينقلها‭ ‬العوارف‭ ‬والرواة‭ ‬من‭ ‬السلف‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬المجالس‭ .. ‬وهي‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬طللية‭.. ‬بما‭ ‬تتميز‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬انجذاب‭ ‬عاطفي‭ ‬نحو‭ ‬الماضي،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬ذلك‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬أصالة‭ ‬القيم‭ ‬والتقاليد‭ ‬والشعر‭ ‬والأدب‭ ‬والفروسية‭ ‬ومكارم‭ ‬الأخلاق‭..‬

‭ ‬وقد‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬القوم‭.. ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرواة‭.. ‬قيض‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نعاصر‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭.. ‬ونستمع‭ ‬إلى‭ ‬مروياتهم‭ ‬في‭ ‬التراث‭.. ‬ففي‭ ‬خمسينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الراوية‭ ‬النابغة‭ ‬كندير‭ ‬يرتاد‭ ‬مضايف‭ ‬الديرة‭.. ‬حتى‭ ‬أواخر‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،ويقضي‭ ‬ليلته‭ ‬ضيفاً‭ ‬فيها‭.. ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يسترسل‭ ‬بالسرد‭ ‬في‭ ‬مجالسها،‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬الليل‭..‬وبطريقة‭ ‬جذابة‭ ‬لا‭ ‬يمل‭ ‬منها‭ ‬الحضور،‭ ‬بل‭ ‬ويلحون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬طالبين‭ ‬منه‭ ‬سرد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬التراث‭ ‬عليهم‭…‬

‭ ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الملا‭ ‬ضيف‭ ‬الأحميد‭ ‬المصطفى‭.. ‬كان‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬فحول‭ ‬الرواة‭ ‬ومن‭ ‬أعلام‭ ‬النسابة‭… ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يسرد‭ ‬مروياته‭ ‬بطريقة‭ ‬سلسة،‭ ‬وبأسلوب‭ ‬قص‭ ‬سردي‭ ‬بليغ،‭ ‬يأسر‭ ‬المتلقين‭.. ‬فكان‭ ‬مصدراً‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬الأنساب‭ ‬والتراث‭.. ‬كما‭ ‬إن‭ ‬الأديب‭ ‬إشعموط‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الآخر،‭ ‬راوية‭ ‬متمكناً‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الفكاهة‭ ‬،‭ ‬وحكايات‭ ‬التراث‭ ‬بشكل‭ ‬محبب‭… ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمل‭ ‬السامع‭ ‬حديثه‭..‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الأديب‭ ‬محمد‭ ‬العبيد‭ ‬الضاحي،‭ ‬نسابة‭ ‬تراثيات‭ ‬متميزاً،‭ ‬في‭ ‬سردياته‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬المتلقي‭ ‬اليه‭ ‬برغبة‭ ‬جامحة،كي‭ ‬لا‭ ‬يفوته‭ ‬من‭ ‬حديثه‭ ‬شيء‭ ‬منها‭..‬

‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬لأولئك‭ ‬الرواة‭ ‬الأفذاذ،‭ ‬وغيرهم‭.. ‬فضل‭ ‬ولمسة‭ ‬واضحة،‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الثقافة‭ ‬التراثية‭ ‬الجمعية‭ ‬لجمهور‭ ‬ريف‭ ‬الديرة‭.. ‬ولأن‭ ‬وسائل‭ ‬التوثيق‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متاحة‭ ‬يوم‭ ‬ذاك‭ .. ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ ‬لتدوين‭ ‬مروياتهم‭ .. ‬فقد‭ ‬فات‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬رووه‭ ‬وجادت‭ ‬به‭ ‬قريحتهم‭.. ‬وبذلك‭ ‬فقد‭ ‬ترك‭ ‬رحيلهم‭ ‬فراغاً‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬التراثية‭ ‬بالعراق‭.. ‬بما‭ ‬تميزوا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مواهب‭ ‬فطرية‭ ‬إبداعية،‭ ‬استظهاراً‭ ‬،‭ ‬وسرداً‭ ‬نقلياً‭.. ‬مما‭ ‬بات‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والأدباء‭ ‬المهتمين‭ ‬بالتراث‭ ‬،المبادرة‭ ‬على‭ ‬عجل،‭ ‬لتدوين‭ ‬ما‭ ‬تركوه‭ ‬من‭ ‬مرويات‭ ‬،في‭ ‬التراث‭ ‬والموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬مجالاته‭ ‬وتوثيقها،‭ ‬وجمعها‭ ‬في‭ ‬كتاب‭.. ‬للحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الضياع‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ .. ‬لتكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لاطلاع‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬ومرجعاً‭ ‬متاحاً‭ ‬للباحثين،‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالتراث‭ ‬مستقبلاً‭ .. ‬

ولعل‭ ‬التوكيد‭ ‬على‭ ‬موضوعة‭ ‬الموروث‭ ‬الريفي‭ ‬الشعبي‭ ‬التقليدي،‭ ‬والنهوض‭ ‬بثقافة‭ ‬توثيقه‭ ‬،‭ ‬يظل‭ ‬هاجساً‭ ‬مشروعاً،‭ ‬وأمراً‭ ‬مطلوباً‭ ‬باعتبار‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬،‭ ‬نتاج‭ ‬هوية‭ ‬أصالة‭ ‬،‭ ‬وينبغي‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬المسخ‭ ‬والتشويه‭ ‬،بتداعيات‭ ‬العصرنة‭ ‬الصاخبة‭ ‬بجوانبها‭ ‬السلبية‭..‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤرق‭ ‬المهتمين‭ ‬بالتراث‭ ‬خاصة،‭ ‬ويجعله‭ ‬موضع‭ ‬قلقهم،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬تداعيات‭ ‬العولمة‭ ‬جارفة،‭ ‬وفي‭ ‬طريقها‭ ‬لكنسه،‭ ‬لتتركنا‭ ‬مستلبين‭ ‬بلا‭ ‬ملامح‭..‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى