مرئيات

أمريكا تطلق حرباً صامتة لاستعادة اليونسكو من قبضة الصين

واشنطن-(د ب أ):
في الوقت الذي يركز فيه العالم اهتمامه على الحرب الروسية الدائرة ضد أوكرانيا، أطلقت الولايات المتحدة حربا صامتة لمواجهة النفوذ الصيني داخل المنظمات الدولية. وأصبحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ساحة المعركة الأولى من هذه الحرب بحسب التحليل الذي نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية لكل من باتريك مينديس الاستاذ الزائر للعلاقات عبر الأطلسي في جامعة وارسو البولندية والدبلوماسي الأمريكي السابق، وأنتونينا لوتسكتسيكيفيتش المديرة المؤسسة لمركز أبحاث تايوان في جامعة ياجيلونيان بمدينة كراكوف البولندية والباحثة في جماعة إنديانا بلومينجتون الأمريكية.

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي أقر الكونجرس مشروع ميزانية العام المالي الحالي بقيمة 7ر1 تريليون دولار وفيها تنازلا يفتح الباب أمام إدارة الرئيس جو بايدن لإعادة الولايات المتحدة إلى عضوية اليونسكو. ونصت الميزانية بوضوح على أن هدف العودة إلى المنظمة التي تتخذ من باريس مقرا لها هو “مواجهة النفوذ الصيني ودعم المصالح القومية الأخرى للولايات المتحدة”.

وفي عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي رفع شعار “أمريكا أولا” تجاهلت واشنطن المشاركة في المنظمات الدولية، بما في ذلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة. ولكن مع وصول بايدن للحكم رفع شعار “أمريكا عائدة” وسعى لإصلاح “الصورة المشوهة” للولايات المتحدة واستعادة ريادتها في المنظمات الدولية.

وكان الرئيس ترامب قرر في كانون الأول/ديسمبر 2018 الانسحاب من منظمة اليونسكو بدعوى حاجتها إلى إصلاحات أساسية وانحيازها المستمر ضد إسرائيل. والحقيقة أن الولايات المتحدة توقفت عن سداد حصتها في ميزانية المنظمة عام 2011، ردا على منحها العضوية الكاملة لدولة فلسطين، بسبب صدور قانون أمريكي عام 1990 يلزم أي إدارة أمريكية بالتوقف عن المساهمة في تمويل أي منظمة دولية تمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة. وعندما توقفت الولايات المتحدة عن سداد حصتها في ميزانية اليونسكو عام 2011، تدخلت الصين بسرعة وقررت تعويض أي نقص في ميزانية المنظمة الدولية، لتصبح أكبر دولة مساهمة في ميزانيتها.

كما وقعت الصين مجموعة واسعة من الاتفاقيات الثنائية مع المنظمة الدولية وعينت مواطنا صينيا كنائب للمدير العام لليونسكو، ونجحت في إدراج 56 موقعا صينيا على قائمة التراث العالمي لتصبح ثاني أكبر دولة في هذا المجال بعد إيطاليا.

وأصبحت الصين تعامل اليونسكو باعتبارها “شريكا استراتيجيا” لدعم تجديد شباب الأمة الصينية، وتشجيع مبادرة الحزام والطريق ودعم التعددية الدولية. وأدت هذه الشراكة بالفعل إلى دعم المكانة العالمية للصين كدولة رائدة في تنفيذ مهمة اليونسكو لدعم التعليم والعلوم والثقافة على مستوى العالم.

ويقول مينديس و لوتسكتسيكيفيتش إن صناع السياسة الأمريكية أدركوا أن الاستثمار الصيني منخفض التكلفة، مرتفع العائد في منظمة اليونسكو وفي غيبة الولايات المتحدة، نجح بهدوء في كسب قلوب وعقول المواطنين في العالم.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من اليونسكو. كانت المرة الأولى في عهد الرئيس الراحل رونالد ريجان في كانون الأول/ديسمبر 1984، ورأى ريجان إن المنظمة تعاني من سوء الإدارة والفساد وتستخدم لدعم المصالح السوفيتية.

وبعد حوالي مرور حوالي عقدين، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2003 قرر الرئيس جورج بوش الأبن العودة إلى اليونسكو بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 ، حيث قال بوش إن عودة أمريكا للمنظمة رمز على “التزامها بالكرامة الإنسانية” وأنه “تم إصلاح المنظمة وستشارك الولايات المتحدة تماما في مهمتها لدعم حقوق الإنسان والتسامح والتعليم”.

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه اليوم. فقانون الميزانية الأمريكية الحالية يسمح للولايات المتحدة بالعودة إلى اليونسكو مع سداد كامل مساهمتها في المنظمة منذ 2011 بقيمة 616 مليون دولار. وبهذه الخطوة تجهز واشنطن المسرح لمواجهة النفوذ المتزايد، والصامت للصين في المنظمات الدولية. كما أن العودة إلى اليونسكو ستسمح لواشنطن الرد على الحرب الروسية المدمرة ضد الشعب والتراث في أوكرانيا.

وكان منع تايوان، التي ترى الصين أنها إقليم منشق وتطالب باستعادة السيادة عليه، من المشاركة في أي منظمة دولية سواء كعضوية كاملة أو بصفة مراقب جزءا من استراتيجية صينية أوسع نطاقا لممارسة “الإكراه غير العسكري” ضد تايوان. لذلك تبنت الصين منهجا محسوبا بدقة للسيطرة على المنظمات الدولية وبالتالي تعديل مواقف هذه المنظمات من الداخل.

كما تشمل استراتيجية الصين تعيين مواطنين صينيين في المناصب العليا داخل برامج وصناديق الأمم المتحدة وأجهزتها الرئيسية والمنظمات الدولية التابعة لها. وظهر نجاح هذه الاستراتيجية من خلال وجود أكثر من1300 صيني بين أعضاء الطاقم الأساسي للأمم المتحدة منذ 2019.

بالطبع سيكون للنفوذ الصيني المتزايد داخل المنظمات الدولية عواقبه. فالتأييد الصيني الصامت للعدوان الروسي على أوكرانيا يثبت أن رؤية الصين لسيادة القانون والنظام الدولي مختلف تماما عن رؤية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما من الدول ذات النزعة الديمقراطية.

وأخيرا يرى المحللان مينديس و لوتسكتسيكيفيتش أن السجل الطويل للصين في مجال انتهاك حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، يشير إلى أنه في حال حددت بكين قواعد النظام العالمي من خلال المنظمات الدولية، فسيكون المجتمع الدولي أقل اهتماما بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية. وبدون وجود الولايات المتحدة في منظمة اليونسكو، ستكون الصين مطلقة اليد في الترويج لرؤيتها الخاصة لقواعد “عصر جديد من الصعود العالمي”. ويعتبر ترويج الصين لفكرة التدهور الأخلاقي والتكنولوجي للغرب دليلا على قوة دبلوماسية “الذئاب المحاربة” التي تتبناها الصين تحت حكم الرئيس شي جين بينج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى