أبوظبي-الوحدة:
يمثل استقبال مولود جديد لحظة مليئة بالفرح والبهجة تبقى خالدة طوال العمر. لكن الحال لم يكن كذلك للزوجين الألمانيين تيم وساره، وهما موظفان في شركة طيران بدولة الإمارات، إذ عكر صفو فرحتهما هذه ولادة طفلهما الأول، كاي، وهو مصاب بمرض خلقي نادر هدد حياته، وتحديداً مرض الناسور الرغامي المريئي مع رتق المريء. كان حمل ساره هادئاً، ولم تظهر أي علامات مقلقة في المتابعات وإجراءات التصوير الدورية خلال الحمل. إلا أنه عند ولادة الطفل كاي، بدا بوضوح وجود خلل ما. فقد واجه صعوبة في بلع لعابه الذي كان ينساب باستمرار من فمه، في حين كان إيقاع تنفسه أسرع من الطبيعي دائماً. وعلى إثر هذه الأعراض، سارع فريق الرعاية في مستشفى دانة الإمارات للنساء والأطفال للتدخل عبر إدخال أنبوب صغير في فم الطفل كاي لتنظيف تجويف الفم. وفي حالة الطفل الذي يتمتع بصحة جيدة، سيدخل الأنبوب من خلال المريء إلى المعدة دون أي عائق، ولكن في حالة كاي، كان يلتوي صعوداً إلى صدره، ما أشار لوجود انسداد. تحدث مشكلة الناسور الرغامي المريئي مع رتق المريء بين واحد من كل 4000 مولود جديد حي. وبالنسبة للمصابين بهذه الحالة، يكون الجزء العلوي من المريء غير متصل بالجزء السفلي، مع وجود اتصال غير طبيعي (ناسور) بين الجزء السفلي من المريء والقصبة الهوائية. ويعني ذلك أنه مع كل محاولة يقوم بها كاي للتنفس، يدخل هواء إلى معدته، ما يتسبب بارتجاع حمضي إلى رئتيه، الأمر الذي يعرض صحته لمخاطر حقيقية. ولابد من الإشارة هنا إلى أن إهمال علاج هذه الحالة الصحية يضع حياة المولود على المحك. وبعد تأكد إصابة مولودهما، جرت إحالة تيم وساره إلى الدكتور براين ماكورماك، استشاري جراحة الأطفال وحديثي الولادة الذي يتمتع بمهارات وخبرات فذة في مستشفى دانة الإمارات للنساء والأطفال، جزء من مجموعة M42. وبادر الطبيب إلى إيضاح ماهية هذه الحالة للوالدين والحاجة الماسة للتدخل العاجل لإجراء عملية جراحية في صدر المولود، في غضون فترة تتراوح بين 24 و48 ساعة لوقايته من مضاعفات لا تُحمد عقباها لاحقاً. وحرص الدكتور ماكورماك على طمأنة تيم وساره بأن حالة ابنهما ستكون مستقرة لفترة تتراوح بين 12 إلى 24 ساعة مع وضع الأنبوب المذكور، والذي على الرغم من أنه منعه من الرضاعة، إلا أنه حافظ على استقرار حالته. ولاشك أن التأخر في الإجراء الجراحي قد يزيد من المخاطر المحدقة بالصغير. إجراء معقد بطبيعته قال الدكتور ماكورماك: “لم تكن صدمة والدي كاي أمراً مستغرباً، ولا شعورهما بخوف عارم من حالة طفلهما، لذلك حرصنا على الجلوس معهم في أول أيام حياة مولودهم لمناقشة كافة نقاط وتفاصيل حالته. وأجبنا خلال الجلسة على كافة تساؤلاتهما. وقمت بتحضير بعض الصور وشرحت لهما بناءً عليها الإجراء بالتفصيل، مع إيضاح كافة المخاطر وتجربته المتوقعة قبل وخلال وبعد الجراحة”. في اليوم التالي، قام فريق الجراحة بتجهيز الطفل لهذا الإجراء المعقد. وكان الهدف هو ربط طرفي المريء. وكانت الفجوة بينهما متوسطة، بطول يقارب ثلاث فقرات. وتضمنت الجراحة شق الصدر في الجانب الأيمن، وفتحه بين الضلعين الرابع والخامس. واستخدم الدكتور ماكورماك تقنية الحفاظ على العضلات لتجنب قطع العضلات الرئيسية، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في تعافي كاي على المدى الطويل. وأضاف الدكتور ماكورماك: ” يعد هذا أحد الإجراءات الأكثر تعقيداً من الناحية الفنية التي نقوم بها كجراحين لحديثي الولادة. وبدأت الجراحة بخطوة هامة تمثلت بفصل المريء عن مجرى الهواء، وهو إجراء هام للحفاظ على حياة الرضيع. وبمجرد تأمين مجرى الهواء، نجحنا في توصيل طرفي المريء باستخدام أنبوب يمر عبر الأنف، وصولاً إلى المعدة. ويسهل هذا الأنبوب توصيل الغذاء ويحافظ على الاتصال أثناء عملية الشفاء”. بقيت حالة كاي مستقرة خلال الجراحة مع مراقبته عن كثب ضمن وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة المزودة بأحدث المعدات، وإحدى أكبر الوحدات في دولة الإمارات. وخلال الأيام التالية، تابع الفريق الطبي حالة كاي لرصد أي مضاعفات، إلا أن حالته كانت جيدة للغاية. وبذلك، تم إيقاف اعتماده على جهاز التنفس الصناعي في غضون يومين وبدأ في التغذية عبر الأنبوب. وبعد فترة وجيزة، بدأ يتغذى عن طريق الفم. وأوضح الدكتور ماكورماك: “بعد أسبوع حافل، استطاع الوالدان أخيراً اصطحاب مولودهم الجديد إلى المنزل. ومنذ وقتها، نتابع حالة كاي دورياً في العيادة، ونشعر بفرح غامر لرؤيته ينمو بصحة جيدة، حيث بدأ بتناول الأطعمة الصلبة بعمر ستة أشهر. إلا أن الرحلة لم تنته بعد، إذ قد تسبب هذه الحالة مشاكل لكاي خلال حياته بكاملها. لذلك سيكون دائماً بحاجة إلى المراقبة والمتابعة مع تقدمه في العمر. وعلى أي حال، كانت عائلته رائعة حقاً وشرفني إجراء هذه العملية بنجاح”.
وأشاد والد كاي بعمل ومهارات الدكتور ماكورماك بالقول: “نشعر بعميق الامتنان للرعاية والخبرات التي قدمها الدكتور ماكورماك وكافة أفراد فريقه لابننا في مستشفى دانة الإمارات للنساء والأطفال. فقد منحنا تفانيهم والتزامهم أثمن هدية على الإطلاق – صحة ابننا”. على الرغم من نجاح الجراحة، قد يواجه كاي تحديات في المستقبل. فالأطفال الذين يولدون برتق المريء لديهم درجة من تلين القصبة الهوائية، حيث تكون مرنة إلى حد ما. وقد يسبب ذلك سعالاً مستمراً، مع احتمال تفاقمه عند الإصابة بنزلات البرد أو العدوى التنفسية. وعلى أي حال، فإن المراقبة الدائمة وإدارة الصحة قد تساعد في التعامل بكفاءة مع هذه الأعراض. وسيكون والدا كاي على اتصال بمجموعة دعم للحصول على المساعدة الضرورية بخصوص الأطفال المصابين بحالات نادرة، مثل ابنهم كاي.
4 يوليو، 2024
180 3 دقائق