“الإسقاط ” .. درعٌ نفسي

بقلم / د. ولاء قاسم

في خضم متاهة المشاعر وتعقيد الذوات نبحث نحن البشر عن آليات دفاعية نفسية تمكننا من حماية أنفسنا من مشاعر مؤلمة وواقع يزخر بالضغوط والتحديات كثيراً ما يبث فيها إحساس العجز والفشل،
فنجد أن “ الإسقاط ” من الآليات ذات الحضور اللافت في هذا السياق .

هذه الآلية تمنحنا شعور بالراحة والأمان عن طريق إلقاء المسؤلية عن كل انتكاسة أو فشل يواجهنا على الآخرين، فيتسم المسقِطون بشدة الإنفعال والاندفاع الشديد في التخلص من مشاعر القلق عن طريق القاء اللوم على الآخرين أو انتقاد ظروف الحياة بدلاً عن أفعالهم وتوجهاتهم فيها “ المسقطون يكافحون ضد الواقع بدلاً من التعامل معه ” ،
يلقون باللوم على الواقع الخارجي باعتبار أنه السبب في معناتهم في مسلك طفولي يفتقر بشدة الى التأمل الذاتي وتحمل مسئولية الذات ، الأشخاص الذين يمارسون الإسقاط يعيشون الحياة بفكرة واحدة مهيمنة وهي أن الأمور يجب ان تتغير في الخارج ليكونوا سعداء فهم يشعرون بالمظلومية معظم الوقت وبشعرون إن الحياة تعاملهم بشكل غير عادل.

يعاني من يمارس الإسقاط من ثقة متدنية في الذات أو بالمقابل يخدعون أنفسهم بشعور وهمي بالتفوق وتضخم الذات ، ويعتقد المُسقِط باستمرار أن الأشخاص الأكفاء حوله يدينون له بالمساعدة لذلك فهو علاقاته شخص متعلق يعتمد على الآخرين بشكل مفرط للحصول على الدعم والاستقرار ، كما أنه يعتمد كليا على التهدئة الخارجية لذلك لا يندر أن تجد من يمارس الإسقاط مدمن على الطعام أو التدخين أو حتى المخدرات وغيرها من وسائل الإشباع الفوري والمؤقت .

يعد الإسقاط سلاحاً ذو حدين في رحلتنا الداخلية.
فمن ناحية، يعد الإسقاط من الدروع النفسية التي تتيح لنا فرصة الهروب من مواجهة جوانبنا المُرِّة والمُزعجة ويمثل الطريقة المُثلى للتهرب من المسؤولية تجاه ذواتنا لكنه يعرقل عملية النمو النفسي ويقف عائقا أمام النضج العاطفي فعلي الرغم من أن المسقِط يتجنب كراهية ذاته عن طريق لوم الآخرين واختلاق الأعذار لكن هذه الاستراتيجية لا تكسبه التعاطف والدعم الذي يلتمسه إلا في مابين زملاءه المُسقِطين وسيظل يشعر مراراً وتكراراً بدفقات قصيرة لكنها عميقة من الشعور بالسوء وتدني قيمة الذات ، فيُكون المُسقِط حلقة مفرغة من هزيمة الذات فهو يستخدم الإنكار لمجابهة مشاعر الخزي والفشل بدلاً من التساؤل عن إمكانية التغير وطريقته مما يحثه على التصرف باندفاعية للتخلص من الألم والقلق وذلك يعمق المشاكل في المستقبل و يولد مشاعر فشل من جديد لاتزال تحثه على مزيد من الاندفاع وهكذا .

تظهر عمليات الإسقاط بكامل تعقيداتها منذ سنوات الطفولة فكثيرا مانجد في الأُسر ذلك الطفل الذي يتحكم في والديه بمشكلاته ونوبات غضبه عن طريق اسقاط اللوم على الخارج وتقديم نفسه كضحية مظلومة تحتاج لعناية خاصة ، فما يكون من الوالدين إلا إسكات أي شكوى من إخوته ضده وحثهم على تقبل مشكلة اخيهم ومحاولة التوافق معه فيكبر ذلك الطفل الذي مارس الإسقاط ويستمر في بحث عشوائي عن أسباب خارجية تبرر عدم قدرته على ادراة حياته التي تخرج عن السيطرة.

على الرغم من أن الإسقاطات قد توفر لحظات من الراحة إلا أنها في النهاية لا تُعالج الجذور الحقيقية للمشكلة.
بل قد تؤدي إلى مزيد من التجنب والانفصال عن الواقع، فالاسقاط بعكس شخصية غير واقعية وأقل تكيفا ،
لذلك من الضروري إذن أن نتعامل مع هذه الآلية بحكمة وتبصر ، فبدلاً من الاستسلام للهروب في عالم الأوهام، علينا أن نواجه مخاوفنا ومشاكلنا بشجاعة، وأن نسعى إلى إيجاد حلول واقعية من خلال التأمل في النفس التفكير النقدي والتنمية الذاتية وبالنسبة إليّ شخصياً فذلك هو مسعاي الأسمى في كل ما أُقدمه من اطروحات .

 

 

Exit mobile version