أبوظبي من النهر العظيم إلى مدينة الموسيقى

قبل ملايين السنين مر في الظفرة/ أبوظبي نهر عظيم كان يتدفق بشكل مستمر، وقد وجدت آثاره وما دل عليه من أحفوريات النباتات والحيوانات في تلك المنطقة ومن الرواسب النهرية من رمال وحصى وطين، وقد استمر بالتدفق الى حين،(موقع ثقافة ابوظبي). ومر الزمان على أبوظبي كغيرها من المناطق وشهد ولادة أبوظبي أكثر من مرة” فالمدن والأماكن تتكرر ولادتها بوجه وثوب جديد”، من سحيق الزمان ومن بدع بنت سعود (3200-2600 ق. م) ومن أم النار (2600-2000 ق. م) تكرر مخاض أبوظبي حتى صارت مدينة الموسيقى.

عزفت الفيلة في “مليسه” أنغاماً، عرجت ببني ياس حيث (اللؤلؤ والصيد والماء العذب) وامتدت حتى اليوم، وقد مزجت أبوظبي فيها بين الثقافة والإبداع، فأهتمت بالموسيقى وواءمت بين الحداثة وبين إرثها وقيمها الموروثة، ورصعت ثوبها الغني بمئات الثقافات والجنسيات وجمعت بينها دون مبالغة تعيبها وبتسامح يثريها، في مدينة الموسيقى إرث للاندماج والتبادل الثقافي الآمن المتسامح واستثمار بالتنوع الثقافي، فقد مثلت الموسيقى جزءاً من التراث الشعبي الإماراتي، وسردت القصائد الغنائية المترافقة مع الموسيقى الشعبية، فخر الإماراتي بهويته، واعتزازه بنفسه وبيئته، من الموسيقي التقليدية وحتى البوب المعاصر، وأثرت الثقافة الإماراتية العربية وتأثرت بالثقافات الأخرى الشرقية والغربية.

بهذا التراث الثقافي الغني حصلت إمارة أبوظبي/ 2021 على لقب ” مدينة الموسيقى” من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة( اليونسكو)، وهذا ما أكد مكانتها كموطن لمنظومة موسيقية مرنة ومستدامة قائمة على الابتكار والتعاون والحوكمة المشتركة، وكمدينة عالمية متنوعة ثقافياً تساهم ثقافتها في التنمية المستدامة، فقد تنامى القطاع الموسيقي في أبوظبي مع وجود أكثر من 600 مؤسسة موسيقية يعمل فيها أكثر من 4 آلاف متخصص في مجال الثقافة ناهيك عن النشاطات الأخرى المرتبطة بها، وقد تم الاعتراف بالقطاع الثقافي كمحفز للتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي في أبوظبي، ولا زالت أبوظبي تعمل على تطوير هذه الصناعة من خلال إقامة المهرجانات ودعم الموسيقيين في المدينة وجلب موسيقيين مشهورين عالميًا من تقاليد الموسيقى العربية والعالمية إلى المدينة. وإن كان المجال الموسيقي بذاته لا يشغل الا المهتمين به، الا إن اختيار أبوظبي كمدينة للموسيقى يشكل إنجازاً ونقلة نوعية في تاريخ المدن، ويعبر عن استمرار ثقافي متميز وجميل.

ويعود السبب في اختيار أبوظبي كمدينة للموسيقى الى اهتمام أبوظبي بالثقافة وتوفيرها البنية التحتية الملائمة وبمعايير عالمية لصناعة الموسيقى، إذ لم يتم اعتماد أبوظبي من ضمن المدن “المبدعة” الا لتحقيقها عدة معايير موضوعية معتمدة من اليونسكو وبنية تحتية جعلت منها مركزاً للإبداع والنشاط الموسيقي، ولقدرتها على استضافة المهرجانات والفعاليات الموسيقية محلياً ودولياً، ولقدرتها على ترويج كافة أشكال صناعة الموسيقى، ووجود معاهد ومدارس متخصصة بالموسيقى بالإضافة الى الهيئات غير الرسمية لتعليم الموسيقى(كالمجمع الثقافي، وبيت العود ومركز الفنون والموسيقى في جامعة نيويورك ومجموعة أبوظبي للثقافة)، وكذلك المنصات المحلية والدولية لأنواع معينة من الموسيقى ولوجود قاعات ومساحات ثقافية مستدامة لممارسة الموسيقى والاستماع لها.

ولا نخرج عن الموضوع إذا قلنا إن أبوظبي تعد موطناً مميزاً للفنون المعمارية، وأنها من أفضل المدن التي تصلح للعيش فيها، وللثقافة والفنون حصة فيها وحصة من تطورها واستدامتها، فقد حافظت أبوظبي على مكانتها كأفضل المدن الصالحة للعيش في الشرق الأوسط وإفريقيا لعام 2024 بحسب مؤشر قابلية العيش العالمي (EIU)، والذي يشمل 173 مدينة يتم تقييمها وفق خمس فئات هي الاستقرار، والرعاية الصحية، والثقافة والبيئة، والتعليم، والبنية التحتية.