مرئيات

الأصالة جوهر الكفاءة الاجتماعية

بقلم / د. ولاء قاسم

تتطلب الحياة الاجتماعية الانسجام والتناغم بين كل المكونات التي تشكل هوية الإنسان وتفاعلاته ، وقد كان جل التركيز سابقاً على اكتساب المهارات الاجتماعية التي تحقق التفاعل الجيد مع المحيط ولكن قد تحول التركيز اليوم من امتلاك تلك المهارات إلى تطبيقها وممارستها بطريقة توصلك للنتائج المرغوبة فامتلاك المهارة لا يعني بالضرورة النجاح في توظيفها .

الكفاءة الاجتماعية ليست قدراً مقسوما وإنما يمكن تنميتها خلال مراحل الحياة المختلفة بدءً بما تُعلمه الأسرة في الطفولة وهو دور حيوي تأسيسي وتستمر التنمية الى مراحل الشباب ثم الرشد ، ومن وجهة نظري الشخصية فإن الأصالة تشكل منطلقا اساسيا في امتلاك الكفاءة الاجتماعية من عدمه ، فكثيراً ما تلاحظ امتلاك شخص المهارات الاجتماعية لكن تجد تفاعله مع الآخر بارد ، فاتر لا روح فيه ويفتقر الى العمق العاطفي ، و لا يندر أن تجد من يستخدم مهاراته الاجتماعية للتلاعب بالآخر في علاقات يسودها صراع النفوذ فيتعاملون مع المواقف والعلاقات بنية خداع الآخرين ودفعهم لتحقيق أغراضهم في محاولة غير معلنه لتلبية احتياجاتهم الشخصية ويمثل ذلك عمق السلوك غير الاصيل.

أن تكون على حقيقتك مع الآخر دون أن تتلون باختلاف المواقف والأشخاص والأماكن وأن تستطيع أن تعبر عن ذاتك ، عن قيمك وقناعاتك بصدق يتطلب قدراً من الجرأة والشجاعة لا يمتلكه الجميع لكنه السبيل الأوحد للتفاعل مع الآخرين بطريقة تجعلك أهلا لثقتهم .

لذلك فإن النجاح الاجتماعي الدائم يتطلب توازناً دقيقاً بين الاحتفاظ بالهوية الأصيلة والتكيف مع متطلبات التفاعل الاجتماعي ، فالفرد المتميز هو من يعزف على هذه السيمفونية بإتقان، مبهراً الجميع بلحنه الخالد.

تعد الكفاءة الاجتماعية الإبنة الشرعية للكفاءة العاطفية ويُعرفها المختصون على أنها طريقة لتكامل التفكير والعواطف والسلوك للوصول لنتائج مرغوبة في سياق ثقافي معين بكل مايحمله من قيم وتوجهات .

ولما كانت الأفكار تشكل أول أركان الكفاءة أصبح مايسمى “الوعي الموقفي ” ركيزة مهمة حيث يتطلب ذلك الوعي مستوى معرفي يساعد على قراءة المواقف وتحليل مؤشراتها الظاهريه ( التصرفات ) التي تصدر عن الناس والمؤشرات الداخلية ( المشاعر ) و التقاط الإشارات الخفية ( الأسباب والنوايا) لاختيار طريقة التفاعل و لاتخاذ القرار بخصوص الطريقة الأنسب للفعل والتصرف.

على المستوى العاطفي تتطلب الكفاءة شحن الدوافع تعبئتها بالطاقة العاطفية والوجدانية من الحب والتعاطف والتفهم والرغبة في التعاون فالعواطف تشكل اللغة الأم للتواصل بين البشر ، وتشكل النرجسية أكثر صور البلادة العاطفية التي تظهر جلية في العلاقات ، فيتواصل الشخص مع الآخر بطريقة أنه هو المتحكم الوحيد في الحيز المكاني والزماني للعلاقة دون أن يُلقي بالاً لمشاعر الآخر أو رغباته في تركيز مبالغ فيه على الذات وافتقاد كبير للتعاطف .

تتضمن الكفاءة الاجتماعية أيضاً اختيار السلوك المناسب للموقف باستحضار الأهداف المشتركة بينك وبين الآخر والوعي بآثار السلوك المختار على الذات وعلى الاخر وعلى مستوى وجودة العلاقة وأيضاً آثار الموقف السلبي وانتهاج اللامبالاة وترك الا مور على عواهنها ويتطلب ذلك الوعي بالإطار الثقافي الذي يحكم العلاقة ومعرفة المستحسن والمستهجن والمقبول والمحظور ، كما أن صاحب الكفاءة الاجتماعية يمتلك المرونه الكافية لتبديل السلوك وتغيره إذا لم يقود للنتائج المرغوبة ويُبقي الباب مشرعاً أمام البدائل المختلفة على مستوى الاستجابات والسلوك .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى