تكتب أقلامنا في بعض المناسبات عن شخصيات ثقافية جسدوا من خلال أقلامهم المستقلة الواقع الثقافي الصحيح ونقرأ لهم دوما من خلال المنشورات والمقالات التي يكتبونها كلمات نابعة من قلوب صافية ممزوجة لمصداقية الكلام.. رجال كتبوا الكثير وربما لم يحالفهم الحظ للوصول الى النجومية العالمية ولكنهم وصلوا الى قلوب الكثيرين في مجال الأدب والثقافة العامة…
من فينا لا يسمع أو يعرف معلومات عامة عن قرية الخضرانيه هذه القرية التي اختارها الله أن تكون بقعة مميزة للعلم والمعرفة بعزيمة أهلها فربما تجد في كل بيت شهادة أكاديمية سواء كان في مجال الطب أو الهندسة أو التعليم أو الشهادات الجامعية الأخرى والجميع يحملون معهم صفة الكاتب والأديب لأن الثقافة بكل فروعها تعني لهم الكثير إضافة الى شهاداتهم الأكاديمية .. ومن لا يعرف قريه الخضرانيه لابد أن يسأل عن منبع العلماء ورجال الثقافة الذين صنعوا حاضرهم بأيديهم وكتبوا ماضي أجدادهم بأقلامهم وبكل تفاخر رغم ما كان سائد في تلك الاوقات في مناطق الريف العراقي عموما من فقرعقيم وجهل مظلم…
الا أن هؤلاء الأجداد تركوا خلفهم الذرية العلمية الصحيحة التي تجاوزت كل الأبعاد والمفاهيم في قانون الممنوعات القبلية كونهم تمسكوا بسلطة القلم وتمسكوا بالعادات والتقاليد وفق المفهوم العلمي والثقافي ووفق ما كتبته الشرائع السماوية…
اليوم وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي شاهدت إثنان من عمالقة الأدب في هذه القرية يكتبون في تعليقاتهم عن الماضي الذي كانوا يعيشونه وبطريقتهم التعبيرية وكتابتهم الجميلة إنهما الأستاذ سالم خلف الجبوري ، والأستاذ إبراهيم حسين حمادي فقد كتب الأول الأستاذ سالم عن حياة الطفولة ومارافقها من بؤس وحرمان وكيفية التعلق بالتراث الريفي والثقافة العامة فقام الأستاذ إبراهيم بكتابة تعليق يقول فيه:
((منذ بدايات الطفولة في الخضرانيه القديمة في الستينات من القرن الماضي .كنا نراك شاباً مميزاً .وخاصة عندما تأتي في الإجازة وتحمل معك أنواع الجرائد والمجلات .التي أضافت على شخصيتك صفات نادرة ثقافية وفنية.. .واليوم تكمل مسيرة حياتك برواياتك الراقية في الأسلوب واللغة والتعبير عن أحداث مضى على أغلبها أكثر من نصف قرن ..دام مداد قلمك الأخ الكبير أبو ديار وسلمت ذاكرتك القوية التي تخزن أحداث الماضي .ليخطها العقل قبل القلم ويصنع منها تلك الروايات الجميلة والرائعة))…
نعم إن العقل هو من يقوم بالكتابة فالقلم مجرد أداة نحركها بأصابعنا لتجمع لنا حروف الكلمات…
هنا يجيب الأستاذ سالم على صديقه فيخاطبه بنفس الطريقة التي تمزج الماضي بالحاضر :
(( أستاذنا الفاضل ابراهيم حسين حمادي المحترم
بدايات الوعي والبلوغ بدأت معكم وفي بيتكم العامر…كنت أنت وإخوتك جميعاً أقرب الناس لي وأعز أصدقائي وأقربهم الى نفسي…
كان الشيخ جاسم الثنائي الدائم لي..والأخ علي هو الإنسان الذي لا يفارقني كلما كان ذلك ممكن والمرحوم أحمد كانت بيني وبينه رفقة فنية وثقافية وإعلامية…
مشتركاتنا الأدبية لا حدود لها وأذكر أنه كان يزودني دائماً بنسخة من مجلته الشهرية…الفكاهة…التي يحررها بخط يده…
لازالت الآثار الإيجابية لتلك السنين الخوالي تجمعنا بمشتركاتها الرائعة العطرة.
تحياتي واحترامي لكم أستاذ أبو أحمد الغالي))…
نعم إنها وثائق أدبية من المنظور الثقافي حفظها عقول الرجال الاوفياء لتراثهم وعدم تأثرهم بالعصرنة الحديثة فالكاتب دوماً يضع حقيقة نفسه قبل حقيقة الأشياء ويكتب بلهجة التواضع وليس من باب الشهرة أو المكاسب الدنيوية الأخرى… يكتبون عن أقدارهم وماضيهم مع القرية ودرابينها الطينية.. ويكتبون عن الشتاء والربيع وعن قرية الخضرانيه وعن الشرقاط ومدارسها وعن وظائفهم وسفرهم الى بلدان عديدة من أجل المعرفة…
نعم إنهم يكتبون تاريخ مشرف ناصع البياض. كلماته نابعة من عقول أدباء كبار ولا يقبلون أن تجف الأحبار في أقلامهم مهما تسارعت ساعات الزمن…