ريادة الأعمال الاجتماعية أداة للتطوير

بقلم : المهندس سيف بدر الصيعري

 

تتفاوت القدرة على معالجة المشكلات من إنسان لأخر ومن جهة لأخرى، فما يكون محط اهتمام جهة في فترة زمنية، قد يكون غير ذا أهمية أو على الأقل ليس بأولوية في تلك الفترة من وجهة نظر جهة أخرى، وما تكون ظروفه مواتية في بلد قد لا تكون بيئته مناسبة في بلد آخر، وما توفره دولة من إمكانات يختلف عن ما توفره دولة أخرى، لهذا فإن التصحيح والتحفيز والتطوير لا ينشأ لوحده ولا يقوم على الجهود الرسمية/الحكومية وحدها، وإنما له رواده ومبتكريه، وهذا يظهر بشكل جلي في مجال معالجة المشاكل والثغرات الاجتماعية والية وجدية تقديم الخدمات والقيم الاجتماعية، وهذا المعالجات كما سلف محكومة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها الدولة ، فبعض الدول لا تلتفت الى مثل هذه الأعمال بصرف النظر عن الأسباب، ومنها ما يقدم لها دعما نظريا، ومنها من لا يريد مشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمات الاجتماعية وفق تنظير خاص، ومنها من يوائم بين دور الدولة في تنفيذ هذه الواجبات وتطويرها ويتيح للقطاع الخاص ورواد الأعمال الاجتماعيين المساهمة في تقديم وتطوير منظومة الخدمات الاجتماعية، بل ويوفر لها مساندة قانونية ومالية وتنظيمية لتعمل الى جانب القطاع العام في خدمة المجتمع، وتنهض بالقطاع الثالث.

ودون الدخول في بحث تعريف ريادة الأعمال الاجتماعية وغموضه ومدى وضوحه، فإنه يمكنني تلمس تعريفا مقتضبا من بين القراءات المتخصصة لريادة الأعمال الاجتماعية بأنه ” ان يقوم فرد بسلوكيات ابتكارية تدمج بين الربح والحاجة الاجتماعية لخلق قيمة اجتماعية من خلال مؤسسة”، وقد اختلف في تعريف هذه الريادة، فمن المهتمين من وسع مفهومه ومنهم من ضيقه، الا إن هذا النوع من ريادة الأعمال صار حقيقة موجودة بل وتمثل فرص عمل جديدة وتطور طبيعي نتيجة للتعاون بين المسؤولية المجتمعية للشركات والاستثمار الاجتماعي المسؤول. والأولوية في هذا النوع من ريادة الأعمال بالنسبة لرائد العمل الاجتماعي تحقيق مهمة اجتماعية على العكس من رائد الاعمال فإن اولويته خلق ثروة مالية. ومع هذا فإن هذا المفهوم لا يشمل الجهات أو المؤسسات التي تقوم بأعمال خيرية واجتماعية حصرية، ذلك أن ريادة الأعمال الاجتماعية تستهدف الربح والخدمة الاجتماعية معا لتحقيق الاستقلالية المالية ومن ثم تحسين تقديم الخدمة الاجتماعية للمستهدفين، أي أننا هنا أمام (عمل تجاري لأهداف اجتماعية، تنمية مستدامة، قوة تغيير مجتمعية إيجابية)، وهذا ما يعبر عنه في الدار “بالأثر الاجتماعي الإيجابي الملموس”.

ويشتهر مصطلح” القيمة المختلطة” للتعبير عن دمج الأهداف المالية والاجتماعية من قبل المؤسسات الاجتماعية، إذ تتجاوز هذه المؤسسات الأهداف الربحية لتحقيق غايات اجتماعية للمساهمة في التمكين الاجتماعي، فالأرباح تهم رواد الأعمال الاجتماعيين، إلا أنها لا تمثل الدافع الرئيسي وراء اعمالهم. إذ إن سعي ريادة الأعمال الاجتماعية للربح هو فقط لدعم وتعظيم الأثر الاجتماعي المراد تحقيقه، فيتم استثمار معظم الأرباح بطريقة تدعم أهداف الأثر الاجتماعي واستدامة المؤسسة الاجتماعية وتحقيق الربحية للوفاء بمهمة اجتماعية، والمساهمة في تخفيف المشكلات الاجتماعية وتعزيز المصلحة العامة وتقليص البطالة والمساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة الذاتية، ودعم الشراكة والتعاون بين القطاعات العام والخاص والقطاع الثالث.

وقد صار الاستثمار الاجتماعي “كاستثمار مؤثر” ذا أولوية، يجب دعمه وتوفير الممكنات لرواد الاعمال الاجتماعيين ومساندتهم في استثمار رأس مالهم “الصبور” لتحقيق غايات اجتماعية جنبا الى جنب مع الجهود الحكومية في تقديم الخدمات الاجتماعية وتطويرها، وهذا الدعم يختلف باختلاف الظروف المحلية في مختلف الدول كما سلف البيان، إذ تتأثر الاعمال الاجتماعية بهذه الظروف بشكل مباشر، ومن الأمثلة المحلية على التمكين والدعم لرواد العمل الاجتماعي هيئة المساهمات المجتمعية “معا” في أبوظبي، وهي مؤسسة حكومية تعمل من خلال برامج تمويل مستدامة ومبتكرة إلى دعم وضع حلول مستدامة تعالج الأولويات الاجتماعية المهمة في أبوظبي، وتحفيز الأفكار الجديدة لرواد الاعمال الاجتماعية، ومن ثم وبالنظر لحجم الدعم الحكومي لهذا النوع من ريادة الأعمال فإن الإمارات تشكل بيئة مثالية لازدهار ريادة الأعمال الاجتماعية.