خبراء دوليون يؤكدون: شبكات التواصل الاجتماعي مكوّن فعّال وعنصر مؤثّر في مجال الرعاية الصحية وتمكين المرضى
في ختام “قمة الشرق الأوسط للتواصل الاجتماعي في الرعاية الصحية”
– د. عامر شريف: “القمة تواكب رؤية القيادة الرشيدة لتحويل دبي إلى مركز امتياز للرعاية الصحية بشقيها الأكاديمي والتطبيقي” .
– د. علي الدعمي: “مسؤولية الأطباء الأخذ بزمام المبادرة لقيادة التأثير الإيجابي لمنصات التواصل على المجتمع “.
– ماري أوكونر: قوة منصات التواصل تكمُن في مساعدة المرضى على بناء مجتمعات افتراضية تدعمهم نفسياً في مواجهة المرض.
– د. دانيال كابريرا: على الجامعات والمعاهد العلمية الطبية التدقيق في المواد العلمية المُقدّمة للطلبة لمواكبة تطورات العصر.
– المتحدثون يجمعون: الإنترنت لا يمكن أن تقدِّم بديلاً عن الطبيب أو موفّر خدمة الرعاية الصحية.
…………………………………………………………….
دبي – وام / اختتمت اليوم في دبي أعمال “قمة الشرق الأوسط للتواصل الاجتماعي في الرعاية الصحية” التي نظّمتها” مايو كلينك” العالمية بالشراكة مع جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، والمستشفى الأمريكي دبي، عقب يومين من المناقشات شارك فيها جمهور من المختصين من داخل وخارج الدولة، ركزت على العلاقة بين منصات التواصل الاجتماعي ومجال الرعاية الصحية وتأثيرات تلك المنصات على المرضى والأطباء وموفري الخدمات والمنتجات الطبية والعلاجية، وسبل تعزيز المردود الإيجابي لهذه العلاقة لتحقيق الفائدة القصوى للمرضى والمستفيدين من تلك الخدمات والمنتجات.
وفي ختام الحدث، أكد الدكتور عامر أحمد شريف، مدير جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية أن القمة كانت بمثابة فرصة مثالية لتبادل الخبرات والتعرّف على تجارب رائدة لأطباء ومؤسسات طبية لها باع طويل وتاريخ مرموق في مجال الرعاية الصحية، وبما يتماشى مع رؤية قيادتنا الرشيدة في تحويل دبي، ودولة الإمارات على وجه العموم، إلى مركز امتياز للرعاية الصحية بشقيها الأكاديمي والتطبيقي، وهو الهدف الاستراتيجي الذي تمضي دبي بكافة مؤسساتها الطبية والعلاجية والصحية في تحقيقه بالتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، بدعم من الأطر التنظيمية المواكبة لأفضل الممارسات والمتوافقة مع أرقى المعايير الدولية.
ووّجه الدكتور شريف الشكر لكل من شارك في إنجاح هذه القمة التي تُعدُّ الأولى من نوعها، وخصّ بالشكر مايو كلينك التي تولّت تنظيم الدورة الأولى للقمة، وكذلك المستشفى الأمريكي في دبي، وفريق العمل في جامعة محمد بن راشد للعلوم للطب والعلوم الصحية، التي تشرفت باستضافة القمة والمشاركين فيها من داخل وخارج الدولة، مؤكداً أن الجامعة ماضية في تحقيق رسالتها في نشر المعرفة الطبية ورفع مستوى التبادل العلمي والمعرفي مع كافة المؤسسات الطبية والجامعات والمعاهد الطبية العالمية للوصول بالجامعة إلى مصاف كبرى الجامعات المتخصصة على مستوى العالم، لتخريج أجيال من الأطباء وأخصائي الرعاية الصحية القادرة على دعم القطاع وتعزز موقع دبي كوجهة أولى لكل من ينشد خدمات طبيّة رفيعة المستوى.
وخلال اليوم الأخير للقمة، تحدّث الدكتور علي الدعمي، استشاري الجراحة العامة وجراحة الصدر، في المستشفى الأمريكي في دبي، متناولاً مجموعة من المحاور المهمة التي أوضح من خلالها الاحتياجات الفعلية للمريض من جانب الطبيب على منصات التواصل الاجتماعي، ولماذا يلجأ أغلب المرضى لتلك المنصات بحثاً عن المساعدة، وأسباب عزوف بعض الأطباء عن التواجد على شبكات التواصل الاجتماعي، والسبل التي يمكن للأطباء وموفري خدمات الرعاية الصحية الاستفادة منها في تقديم أفضل مستويات الخدمة والدعم للمرضى.
وأكد الدكتور الدعمي أن منحنى تأثير منصات التواصل الاجتماعي في مجال الرعاية الصحية في ارتفاع مستمر، وهي حقيقة تلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق الأطباء في الأخذ بزمام المبادرة لقيادة هذا التأثير وتأكيد انعكاساته الإيجابية على المجتمع، فيما يتوجب على الأطباء الالتزام بالقواعد الأخلاقية في تقديم المعلومات المستندة إلى أدلة وبراهين علمية، وتثقيف المجتمع حول الموضوعات الصحية العامة، وكذلك ضرورة التزام الأطباء بالقواعد والأدلة الإرشادية الصادرة عن جهات الترخيص الطبية الرسمية في بلدانهم، والحفاظ على أمن صفحاتهم على مواقع التواصل.
وقال إن توظيف منصات التواصل الاجتماعي في هذا المجال استقطب انتباها عالمياً لافتا، منوها بإقدام الجمعية الطبية الأمريكية على إصدار دليل إرشادي للأطباء حول استخدام منصات التواصل الاجتماعي مهنياً، متضمناً مجموعة من القواعد المهمة في مقدمتها الحفاظ دائماً على الحدود الملائمة للعلاقة بين المريض والطبيب، والفصل بين المحتوى الشخصي والمهني على تلك المنصات.
وعدّد الدكتور علي الدعمي فوائد منصات التواصل الاجتماعي في مجال الرعاية الصحية، وقال إنها تشمل تقديم معلومات تتعلق بحالات صحية متنوعة، كما تقدم إجابات لتساؤلات عامة لدى الجمهور حول الصحة، علاوة على إقامة جسور للحوار بين الأطباء والمرضى، فيما تعين أخصائيّ الرعاية الصحية في جمع معلومات حول تجارب المرضى وآرائهم، وأخيراً تثقيف المجتمع ورفع مستوى وعي أفراده بالمجالات الصحية المختلفة.
وقدّم الدكتور الدعمي مجموعة من البيانات والأرقام التي تدلل على مدى أهمية منصات التواصل الاجتماعي والتي أصبحت تصنف بين الأدوات الرئيسة التي يعتمد عليها موفرو خدمات الرعاية الصحية، مستشهدا بدراسة أجراها موقع “ريسيرتش جيت” العالمي الذي يوفر الفرصة للعلماء والباحثين لتبادل الأفكار والأوراق البحثية ويُقدَّر عدد مستخدميه بأكثر من 150 مليون مستخدم حول العالم، وأظهرت مجموعة من الحقائق تبرز تنامي أهمية تلك المنصات لتصبح جزءاً مؤثراً من أي مؤسسة رعاية صحية.
وأوضحت الدراسة أن نحو 80% من مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة يرجعون إلى الإنترنت للبحث عن معلومات طبية، وأن 60% منهم يثقون في المعلومات الصحية التي يقدمها الأطباء أكثر من أي مصدر آخر، وأن نحو 60 مليون أمريكي شاركوا تجاربهم الصحية عبر منصات التواصل خلال العام الفائت فقط، بينما وصل عدد المستشفيات في الولايات المتحدة التي استخدمت منصات التواصل للتفاعل مع مرضاها إلى 890 مستشفى، فيما أكد 40% من مستخدمي تلك المنصات أنها تؤثر بشكل أو بآخر على طريقة عنايتهم بصحتهم.
وحول تأثير المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي، قال الدكتور الدعمي إنه يتراوح بين الإيجابي والسلبي، وضرب مثال بمعلومة بثتها نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان، عبر صفحتها على “انستجرام” والتي يصل عدد متابعيها من خلالها إلى أكثر من 150 مليون متابع حول العالم، وكانت حول عقار طبي وصل عدد مشاهدته على الصفحة إلى ما يزيد على 400 ألف مشاهدة، بينما أُثبت في وقت لاحق أنه مُنتج ضار، حيث كانت المعلومة محل اعتراض إدارة الأغذية والدواء الأمريكية.
كما تحدثت في اليوم الختامي للقمة، ماري إينيس أوكونر، من جامعة أيرلندا وهي استشارية التوجهات العالمية في الصحة الرقمية والطب التشاركي، حيث شاركت تجربتها الشخصية في مجال التواصل الاجتماعي من خلال رحلة خاضتها مع مرض سرطان الثدي الذي تم تشخصيها به في العام 2004، قبل أن تتعافى منه، للتدليل على أهمية عملية التواصل في حياة المريض، خاصة بين المريض وطبيبه، وكذلك مع من يعانون من المرض ذاته، لاسيما على الصعيد النفسي للمريض.
وقالت من أكثر التحديات التي تواجه المرضى عدم امتلاكهم المعلومات الكافية حول مرضهم، ومتطلبات التعايش معه وطرق علاجه، وقالت إن المرضى يحاولون تجاوز هذه الفجوة باللجوء إلى شبكة الإنترنت ومحركات البحث للوصول إلى ما يحتاجونه من معرفة ومعلومات حول المرض الذي يعانون منه.
وأوضحت المتحدثة أن هذا الأمر يشكّل أيضاً تحدياً أمام الأطباء الذين يشكون كثيراً من أن المرضى أصبحوا يسعون للحصول على المعلومات من الإنترنت، وربما قد يصلون إلى مصادر غير موثوقة أو مؤهلة تمدهم بمعلومات قد لا تكون صحيحة في أغلب الأوقات، مؤكدة أهمية تثقيف المجتمع حول سبل الاستفادة من منصات التواصل في الحصول على معلومات طبية وصحية تجنباً لأي مضاعفات قد تصيبهم جرّاء اتباع معلومات غير صحيحة.
وأبرزت ماري أوكونر أن القوة الحقيقية لمنصات التواصل الاجتماعي تكمُن في أنها تساعد على تشكيل مجتمعات افتراضية للمرضى لم يكن من الممكن إيجادها من قبل، بما لتلك المجموعات من قيمة على مستويات عدة أهمها الجانب النفسي للمريض الذي يستشعر الطمأنينة من خلال حواراته مع أناس يعانون من ذات المرض الذي أصابه بما يساعده على مواجهة المرض بشجاعة، بما تفتحه من فرص للحوار والمعلومات حول ذلك المرض ومشاركة التجارب التي تمكّن المرضى من التعايش مع حالتهم الصحية، والتعرف على أحدث وسائل علاجه، خاصة وأن المجتمعات الافتراضية تجمع أناس وتجارب من مختلف انحاء العالم.
واستعرضت أوكونر المصنّفة من بين أكثر مائة شخصية تأثيراً في مجال الرعاية الصحية الرقمية تجارب مجموعة من مرضى السرطان الذين وظفوا منصات التواصل الاجتماعي في نشر الوعي حول هذا المرض وأنواعه وسبل علاجه.
وأشارت المتحدثة إلى حقيقة أن الإنترنت لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشكل بديلاً عن الطبيب أو موفّر خدمة الرعاية الصحية، أو المستشفى، ولكن كلاً منهما يتكامل مع الآخر في دعم المريض، في حين يتوجب على الأطباء التعاون مع المرضى لجعل الإنترنت مصدراً مفيداً للمعلومات النافعة لهم، فيما يجب على الطبيب أيضاً أن يستمع أكثر لما يدور من حوار على مجموعات النقاش على منصات التواصل بين المرضى، وأن يشارك كذلك في هذا الحوار بإعطاء المعلومات التي من شأنها مساعدتهم قدر المستطاع.
وفي جلسة خُصصت لمسألة توظيف منصات التواصل الاجتماعي في المجال التعليم الطبي، تناول الدكتور دانيال كابريرا، العميد المشارك للتطوير المهني المستمر في مايو كلينك، الموضوع من خلال التعريف بنوعية التعليم عبر منصات التواصل الاجتماعي والكيفية التي يتم بها، وما هي العوامل التي ساعدت على نشأة وتطور هذا الشكل الجديد من أشكال التعليم والتثقيف.
وأوضح الدكتور كابريرا أن وسيلة توصيل المعرفة لا تنفصل عن محتواها، ولكنهما يندمجان في تحقيق التأثير التعليمي المطلوب، لاسيما في الوقت الذي يعيش فيه العالم حالة من الارتباط الشديد والتي ساهمت في خلقها شبكات التواصل الاجتماعي على تنوع أشكالها.
وقال كابريرا إن عملية التعليم لم تعد تعتمد بصورة حصرية على النموذج التقليدي والقائم على تلقّي الطالب للعلم على يد المُعلِّم، بل أصبح هناك أيضاً “التعلُّم من الأقران”، علاوة على “التعلُّم من البيئة المحيطة” والتي تشكل منصات التواصل الاجتماعي جانباً مهماً من مكوناتها، حيث أصبح هناك مجتمعات تعلُّم على شبكة الإنترنت يمكن لأعضائها تبادل وتشارك المعلومات والمعارف، في وقت يتحول فيه جانب من تجربة التعلُّم إلى جهد ذاتي لاستقاء المعرفة من مصادر مختلفة.
وأشار المتحدث إلى أن المشكلة الأكبر في مجال التعليم عبر التاريخ تجسدت في القدرة والكيفية التي يمكن من خلالها الوصول إلى المعرفة، إلا أن الأمر تبدّل كليا في الوقت الراهن، حيث أصبح من السهل الوصول إلى المعرفة الإنسانية كاملة في ثوان معدودة عبر جهاز الهاتف الذكي، ليتحوّل التحدي في عصرنا هذا من كيفية الحصول على المعرفة إلى كيفية الاستفادة منها بصورة صحيحة.
وألمح الدكتور كابريرا إلى أهمية تنبّه الجامعات والمعاهد العلمية المتخصصة في مجال تعليم الطب إلى ضرورة التدقيق في المواد العلمية المُقدّمة للطلبة، في ضوء المستجدات التكنولوجية التي ستساهم بشكل كبير في تبديل شكل الحياة كما نعرفها اليوم، وضرب مثال أنه في المستقبل القريب ستكون هناك “صيدلية ذكية” تعتمد على الذكاء الاصطناعي في صرف الوصفات الدوائية للمرضى، ما يُوجب على المؤسسات التعليمية الطبية توثيق معرفة الطلبة بالخوارزميات التي تقوم عليها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وقال إن المُعلِّم في العام 2019 يمارس نفس أسلوب التعليم الذي تبعه الإغريق من آلاف السنين، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي ستغير هذا الوضع مع تبدل أدوات ووسائل الوصول للمعرفة، ما يُلزم القائمين على العملية التعليمية اليوم بالتعامل بمستوى عال من المهنية والاحترافية مع تلك المنصات.
وكانت القمة قد استهلت أعمالها التمهيدية يوم الأحد الماضي بورشة عمل حضرها لفيف من ممثلي مؤسسات الرعاية الصحية، وركّزت على مناقشة تأثيرات منصات التواصل الاجتماعي في مجال الرعاية الصحية، لاسيما تلك صاحبة الانتشار الأوسع عالمياً مثل “فيسبوك”، و”تويتر”، و”انستجرام”، و”لينكدإن”، إضافة إلى رصد وقياس تأثير منصات التواصل الاجتماعي في مجال الرعاية الصحية، والعلاقة بين الطبيب والتواصل الاجتماعي، وإشراك المجتمع في الموضوعات المتعلقة بالرعاية الصحية على منصات التواصل، وتحدث في ورشة العمل كل من لي أيس، مدير شبكة مايو كلينك للتواصل الاجتماعي، والدكتور فارس تميمي، المدير الطبي لشبكة مايو كلينك للتواصل الاجتماعي، ودان هنمون، مدير المجتمع لشبكة مايو كلينك للتواصل الاجتماعي في مايو كلينك.
– مل -وام/مصطفى بدر الدين