مرئيات

تواضع الناجحين

بقلم :المهندس سيف بدر الصيعري.

إن صفة التواضع في مجال الأعمال لا تختلف عنها في المجال الأخلاقي وإن كان لكل مجال خصوصيته الا إن الجوهر واحد، وقد ظهر في الأعمال والتجارة مصطلح “المدير الخادم” الذي يعكف بصفاته الخاصة على نشر ثقافة العمل والتواضع في مؤسسته التجارية، ذلك أن تميز إدارة المؤسسة/الشركة ونجاحها لا يمكن أن يقوم على العجرفة والكبر.
والتواضع كغيره من المفاهيم الأخلاقية الغنية التي يتعذر تعريفها تعريفا مانعا جامعا، ولكن ظهرت العديد من المحاولات للوقوف على حدود عملية لممارسة خلق التواضع وأثره على ازدهار وتطوير العمل التجاري، ومنها تقديم التواضع كصفة ملازمة للمدير الناجح باعتباره:” صفة قيادية أساسية تعكس قدرة المدير على الاعتراف بحدوده واخطاءه، وتقدير مساهمات موظفيه، وتقديم احتياجات الفريق على مصالحه الشخصية، والرغبة المستمرة في التعلم والتعليم والاستجابة لاحتياجات موظفيه”.
هذا المفهوم يرتبط بعلم النفس الإيجابي الذي يقوم على التركيز على نقاط القوة لا على نقاط الضعف، وهذا ما يرتبط بشكل جوهري بحسن الإدارة، ويؤدي الى التقييم وإعادة التقييم الجدي للأداء بكل نزاهة وشفافية، لذلك فقد ذكر البعض أن الادارة الخادمة تقوم بشكل أساسي على النقد البناء والاعتراف بالخطأ لعزل نقاط الضعف والسيطرة عليها والمضي قدما بناء على نقاط القوة، وهذا في مجمله يعبر عن تواضع شخص المدير وإرادته المهنية وشفافيته ونزاهته.
قد يُفسر تواضع المدير الخادم كضعف من قبل البعض، ولكنه في مجال الأعمال ليس ضعفا، فالاعتدال والعمل القائم على الجدية وحب المنافسة والسعي للتطور، لا يدع مجالا للضعف بل على العكس فإن المدير الخادم غالبا ما ينشر ثقافة ” قوة التواضع” ويقيم مؤسسته على أسس من التشاور والشمولية والاستماع لآراء موظفيه مع الأخذ بعين الاعتبار حاجاتهم. فإذا أقام المدير الخادم منهجيته على التقييم الدقيق لقدرات موظفيه وإنجازاتهم، وتوفرت لديه القدرة على الاعتراف بالأخطاء والعمل على تصويبها وسد الثغرات، وتقبل الأفكار الجديدة والنصيحة ومعالجة المعلومات المتناقضة، ووضع الموظف في مكانه الذي يتناسب مع قدراته، وعدم مبالغة المدير في تقييم ذاته وقدراته الفكرية الذاتية، والنظر الى الإنجازات على إنها جهود جماعية لفريقه، لن يكون التواضع في حينها ضعفا بل سيكون مصدرا للقوة والنجاح إذا ما كان المدير قادرا على تحديد درجة التواضع التي يمارسها أمام موظفيه بغير افراط أو تفريط.

وجريا على السياق فإن التواضع يعتبر عنصرا هاما في الادارة الفعّالة، لا سيما ضمن إطار الادارة الخادمة، فإن دمج التواضع في صفات وممارسات إدارة الشركة له تأثير عميق على تعزيز الثقة والالتزام والسلوك الأخلاقي داخلها ومن ثم ارتفاع أرباحها. إذ إن تواضع المدير يتطلب منه فهم نقاط القوة والضعف، الرغبة في التعلم والتعليم ونقل الخبرات، والاعتراف بقدرات الموظفين، التطوير والتدريب الشخصي والمهني، التركيز على تحقيق مصلحة المنشأة أكثر من المكاسب الشخصية، تحمل المسؤولية أمام الغير وأمام الموظفين، الاعتراف بمساهمات الاخرين، تدريب وتطوير قدرات باقي الموظفين وتمكينهم، الاستماع لاحتياجات الموظفين الوظيفية والشخصية ومساعدتهم في تحقيقها والحفاظ على الجانب الأخلاقي عند اتخاذ القرار بمراعاة الظروف الشخصية للموظف، وهذا بالحتم سيؤدي الى ثقة الموظفين بمؤسستهم وإدارتها، وسيزيد من التزامهم بتحقيق مصلحتها، على العكس من طريقة عمل “المدير الأناني” غير المتواضع فإنها ستعزز السلوكيات غير الأخلاقية وغير النزيهة، ولن تكون قادرة على خلق قيادات أخرى في المؤسسة خلافا للمدير الخادم.
وكما أن “المدير المتواضع” يعد قيمة للمؤسسة وسببا من أسباب نجاحها وتحسين بيئة العمل فيها، فإن توسيع قاعدة “ممارسة التواضع” في المؤسسة يعد أمرا هاما أيضا، وقد يتحقق هذا من خلال توفر الإدارة المتواضعة، تضمين التواضع في استراتيجيات الشركة، توظيف من يظهر لديهم مستوى عال من التواضع، اعتبار التواضع عنصرا من عناصر تقييم الموظف ومكافئته، محاربة السلوكيات المتعجرفة من قبل الموظفين والسلوكيات القائمة على عدم الاعتراف بجهود باقي الموظفين، وغيرها من المعايير التي تعزز ثقافة التواضع في المؤسسة.
إن رائد الاعمال/ المدير المتواضع قائد يدير اعماله “بالقلب الواعي الذي يعترف بالأخطاء ويتجاوز هدفه الشخصي ويعترف بجهد الاخرين” ويحقق مصالح المنشأة من خلال البناء “بناء العلاقة” وليس من خلال مجرد “ممارسة الصلاحية”، فالتواضع جوهر الادارة والخدمة وسبيل نجاح، إن من “أهم صفات الناجحين الحقيقيين هي التواضع، التواضع أمام الإنجاز، التواضع مع الناس، وأهم من ذلك التواضع مع النفس”(محمد بن راشد).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى