مرئيات

أحلام مؤجلة

بقلم / د. ولاء قاسم

رسالة وردتني من إحدى السيدات ، سيدة متزوجة منذ ثلاث سنوات وزوجها يطلب منها تأجيل الحمل سنة بعد آخرى حتى قامت قبل أيام بمواجهته برفضها للتأجيل ففجر في وجهها قنبلة مدوية عصفت بأمالها وأحلامها حول العائلة والمستقبل المشترك حيث صارحها أنه لايرغب في إنجاب الأطفال من الأساس .

الحرمان من الأمومة والأبوة من أقسى أشكال الفقد ، عدم الانجاب أياً كانت أسبابه يفتح الباب مشرعاً أمام مختلف اشكال القلق والهواجس التي يسميها التحليل النفسي” قلق الخصاء” وهو لا يحمل دلالة مادية ولكن يحمل معاني النقص في اكتمال الأنوثة والرجولة ، فالإنجاب رحلة إلى النضج على مستوى الهوية النفسية، فعلى مستوى لا واعي يرتبط الإنجاب بالكفاة النفسية وهو يمثل تجسيداً للعمق الإنساني الذي يسعى الكل لتحقيقه .

صديقتنا أعلم انك الآن في مفترق طرق لذلك سوف أحثك ابتداءً أن تتمسكي بحقك في الانجاب فالحياة قصيرةو الأحلام تستحق أن تُعاش و مشاعر الوالدية وخصوصا المرة الأولى لاتوصف فهي شيء أشبه بأن تصافح الأرض وتعانق السماء وتحتضن الكون بما فيه .

لن أُناقش هنا الأمومة والأبوة باعتبارها غزيرة و أن جميع البشر يرغون في استمرار نسلهم و كمُ التغير الذي يحصل في الأسرة النووية والممتدة بعد استقبال الطفل فذلك معلوم للجميع ولكن أناقشاها على مستوى أعمق نفسياً ووجودياً فالطفل بالنسبة لوالديه يمثل جواز سفر الى الأهلية والجدارة بما يوفره من توازن نفسي وتوافق مع الذات وتثبيت للمكانه الاجتماعية .

لوجود الاطفال دلالة نفسية حيث تتكرس أنوثة المرأة عندما تصبح أماً كأمها وتتكرس ذكورة الرجل عندما يصبح أباً كأبيه وبذلك يمكن تجاوز المرجعية الخارجية ( الأم للمرأة والأب للرجل ) وصولاً الى مرجعية ذاتية ، هي أُم ، إذن هي مرجع لذاتها وهو أب ، إذن هو مرجع لذاته ، بجانب أن ميلاد الطفل بالنسبة للأبوين يعد مزيجاً من الفرح والاعتزاز والإطمئنان على الصحة الجسدية والنفسية فهو من وجهة نظر التحليل النفسي عملية تحويلية عميقة تمثل نهاية مسيرة طويلة يقطعها الإنسان ليصل الى مرتبة الكائن القائم بذاته.

كما أن للوالدية دلالة وجودية فالأمومة والأبوة تمثل توالد للذات مجسداً في كيان خارج عنها ، كيان يمكن أن يكون مؤهلاً ليعالج قصور ذواتنا ويعالج الثغرات في مشروعنا الوجودي فمن المعروف أن الطفل يملأ النفص في الوجود بل وأحياناً يستوعب الوجود بأكمله .

ولكن ….

أود أن أشدد صديقتي على أن الإنجاب قرار ثنائي وحق زوجي متماثل لا يحق لأي من الزوجين اتخاذه بقرار أُحادي، لذلك ينبغي تحذري من اتخاذ القرار بمفردك ومحاولة وضع زوجك أمام الأمر الواقع لأن أقل ما نتوقع حدوثه هو أن يستقيل من دوره الوالدي وبذلك ستعرضين طفلك لواقع معقد فالتعرض للرفض من أحد الوالدين من أعمق الجروح وأشد لصدمات التي تخلق تشوهات نفسية قد تستعصي على التشافي.

في رحاب الزواج باعزيزتي نبحث دوماً عن من يحنو مودةً ويدنو رحمةً. لذلك، من الضروري أن تخلقي مساحة آمنة للحوار، وأن تقدمي طرحاً موضوعياً وشفافاً. حاولي اكتشاف الأسباب الحقيقية وراء رفضه للإنجاب، دون أن تقفزي إلى استنتاجات غير مبررة أو تطلقي اتهامات قد تزيد من تشنجات العلاقة، فتتحول هذه القضية إلى جدار يفصل بينكما.

إننا كمختصين نؤمن بضرورة تحليل دوافع الناس قبل أن نُنكر أفكارهم. ولم تذكري في رسالتك تفاصيل عن الحالة الصحية أو المادية لزوجك، ولا عن استقرار زواجكما. فالخوف على استمرارية العلاقة قد يشكل أحد أعمق مخاوف الناس عند الإنجاب. قد يكون زوجك يرى الحياة بنظرة سوداوية نتيجة الضغوط المادية والنفسية التي يواجهها، مما يجعله يشعر بأنه قد يظلِم طفله إذا جاء به إلى هذه الدنيا.

ربما عاش تحت وصاية كاملة من الأهل، مما جعله يخشى اتخاذ قرارات مصيرية، أو شهد طفولة قاسية جعلته يتردد في تحمل مسؤولية تربية طفل. كما أن التغيير في روتين الحياة قد يُثير قلقه. لذا، من المهم فهم بواعث رفضه بدقة، ومحاولة تفنيد تلك المخاوف، مع حثه على طلب المساعدة الاختصاصية إذا لزم الأمر.

رسالة صديقتنا التي ادعو الله يرمم زواجها ويصلح ما تهالك فيه بطفل يلون دنياها ويملأها بهجة تمثل مدخلاً لقضية شائكة وهي “اللاانجابية” وقد تحولت إلى تياراً ينجذب إليه مجموعة من الناس . لا أستطيع ان أصفها بظاهرة اجتماعية لأنني اعتقد إنها لم ترتقي بعد إلى هذا المستوى ، لكن وجب التحذير منها لأنها مخطط مرسوم بدقة تتقاطع فيه أجندات خفية لفكر هدفه تدمير الأسرة وضرب المجتعات في مقتل مع مخاوف شباب عاش طفولة قاسية إما بحالة مادية متعسرة أو حياة اجتماعية متهتكة أو تواجد في بلد تجتاحه الحروب والأزمات السياسية فورث صدمات وهواجس نفسية جعلته يؤمن بعدمية الحياة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى