الجزر الاصطناعية في الإمارات “ريادة وتنمية مستدامة”

بقلم : سيف بدر الصيعري.

لن نعرض هنا تأريخا للجزر الاصطناعية مع إنها تعتبر إحدى أدوات التنمية منذ القدم، ولكني سأحاول ابراز التجربة الإماراتية في هذا المجال، إذ إن الامارات كانت من الدول التي أنشأت جزرا صناعية وتميزت ويشار اليها بالبنان في هذا المجال، فالإمارات من الدول الرائدة في تطوير البنية التحتية وإنشاء المشاريع الضخمة التي تسهم في دعم اقتصادها وتعزيز مكانتها الدولية. ومن بين هذه المشاريع الطموحة تأتي مشاريع إنشاء الجزر الصناعية والتي تظهر كأحد أبرز إنجازات الدولة، إذ تبرز هذه المشاريع العملاقة رؤية الدولة نحو تعزيز السياحة والتجارة والاستثمار، ورغبتها بالحفاظ على البيئة البحرية وتحقيق التوازن بين الاستدامة الاقتصادية والاستدامة البيئية.
إن تطوير وبناء الجزر قد يكون بتوسعة جزيرة طبيعية أو بناءها على شعب مرجانية أو دمج أرخبيل أو عدة جزر، بجميع الأحوال هذا النوع من البناء يعد عملا تنمويا مستداما ويمكن ان يتحول لحل ذكي للتنمية الاقتصادية سواء كان بناء الجزيرة لغايات استصلاح الأراضي أو لأغراض زراعية أو سياحية أو حضرية أو عسكرية أو علمية أو توسعية من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المحلية وخلق نظام بيئي واستثماري وقانوني وتنظيمي ورقمي للجزيرة يحقق تحولا نوعيا في المنطقة المستحدثة ويحقق اثرا اقتصاديا كبيرا على كافة المستويات.
والجزر الاصطناعية تشكل جزء من التنمية المستدامة، باعتبار التنمية تطويرا للأرض والمدينة والمجتمع وإتاحة فرص الاستثمار بشكل يلبي حاجات الحاضر والمستقبل، والجزر بهذا تساهم في حل العديد من المشكلات كالزيادة السكانية ونقص الأراضي المخصصة للبناء والمخصصة للزراعة أو للصناعة، وهي تحقق فرص استثمارية وتنموية كبيرة للقطاع العام والخاص تعزز التنمية الاقتصادية المستدامة، وتساهم في احداث نقلة نوعية سياحية، وتوسيع فرص الابتكار واستخدام التكنولوجيا والتوسع العمراني.
ولا بد من الإشارة هنا الى أن كلفة إنشاء الجزيرة الاصطناعية باهظة، وهذه الكلفة تختلف بحسب مساحة الجزيرة ومكانها والظروف البيئية والتكنولوجيا المستخدمة والمشاكل الفنية التي قد تظهر أثناء العمل والغاية من انشاء الجزيرة كعمق المياه وصعوبة الوصول وغيرها من العوامل المؤثرة على الكلفة، وعندما تقوم الدولة بتطوير/بناء جزيرة اصطناعية فإنها بالحقيقة تقوم بمشروع عملاق خدمة للوطن والمواطنين وتسعى لتحقيق خطوة نوعية على طريق التنمية المستدامة، فبناء الجزيرة عمل استثنائي يتجاوز حد البناء التقليدي لاي مشروع، والجزيرة تبدأ بدراسة الجدوى واختيار الموقع وإجراء التقييمات الجيولوجية والأنشطة الزلزالية ثم تصميم وهندسة الجزيرة ثم مرحلة بناءها من تجريف وردم وحشو بكميات هائلة من الرمال والصخور وفق الية هندسية متطورة، ناهيك عن إعمار الجزيرة بعد تسويتها واتخاذ الاحتياطات للحفاظ على استقرار الجزيرة ومنع تآكلها، لذا فإنها تعد مشروعا تنمويا عملاقا له بصمته على خريطة التنمية.
بذات السياق فإن بناء الجزر الاصطناعية يسهم في تعزيز قطاعات اقتصادية متعددة مثل السياحة، التجارة، الاستثمار العقاري، والصناعة وغيرها مما ينوع الاقتصاد الإماراتي ويقلل من الاعتماد على النفط والغاز، وكذلك يسهم في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وخلق فرص عمل جديدة. كما أنه وباعتماد مبادئ البناء الأخضر وتقنيات التبريد وتدوير المياه في الجزيرة الاصطناعية ما يعزز من كفاءة استهلاك الموارد الطبيعية. والإمارات تعمل في جزرها الاصطناعية على استخدام تقنيات الحفاظ على البيئة البحرية وضمان الحد من الاضرار البيئية وتعيد تأهيل هذه البيئة من خلال الحفاظ على مناطق مخصصة للحياة البحرية، بالإضافة الى استخدام تقنيات معالجة المياه والنفايات لضمان عدم تلويث المياه البحرية أو المناطق المحيطة. كما تلتزم الإمارات في هذا القطاع بتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة ما يساهم في تقليل البصمة الكربونية لهذه المشاريع وتحقيق أهداف الإمارات المتعلقة بخفض الانبعاثات.
بهذه الرؤى الطموحة يمكننا استيطان البحر بالمزيد من المشاريع الاقتصادية المستدامة التي تعزز مكانة الدولة كمركز تجاري واستثماري وسياحي عالمي، وكمركز تنمية بحرية مستدام يوازن بين النمو الاقتصادي المتنوع والحفاظ على مواردنا الطبيعية وحماية البيئة، إذ تتوفر لدينا القدرة والإرادة السامية لتحقيق المزيد من الإنجازات، وسنواصل السير في الإمارات نحو قمم جديدة.