مرئيات

إضاءة على مبدأ “المصلحة الفضلى للطفل” في ظل قانون “وديمة”

بقلم : المهندس سيف بدر الصيعري

لا يعد مبدأ ” المصلحة الفضلى للطفل” مبدأ جديدا، فقد كُرس هذا المبدأ لأول مرة في اعلان حقوق الطفل لعام 1959 /الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بأن يجب أن يتمتّع الطفل بحماية خاصّة وأن يُمنح، بالتشريع وغيره من الوسائل، الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموّه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموّاً طبيعياً سليماً في جوّ من الحرّيّة والكرامة. وتكون مصلحته العليا محلّ الاعتبار الأوّل في سَنّ القوانين لهذه الغاية”.، وكذلك في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وفي المادة 3/1 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي نصت على أن” في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى”. وقد التزمت الإمارات باتفاقية حقوق الطفل عام 15/12/1996 والتي نفذت بتاريخ 2/9/1990 وهي اتفاقية تهدف الى وضع معايير للدفاع عن الأطفال ضد الإهمال والإساءة وتعتبر مصلحة الطفل الفضلى وتعتبر مصلحة الطفل واجبة الرعاية والاعتبار، وكما ورد النص على هذا المبدأ في المادة السادسة/ه من إعلان القاهرة لمنظمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان إذ قررت: “… أن مصالح الطفل الفضلى هي المعيار الأساسي لتحديد جميع التدابير المتخذة بحقه…”.
وهذا المبدأ في الواقع مستقر كمبدأ قانوني عالمي، سواء في الاتفاقيات والمواثيق الدولية أو في القوانين الوطنية، وقد ورد هذا المبدأ صراحة في القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل الإماراتي “وديمة”، وأكد المشرع الإماراتي في أكثر من موقع على تطبيق هذا المبدأ، واعتبر مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، واكد على وجوب “جعل على مصلحة الطفل فوق كل اعتبار وذات أولوية وأفضلية في جميع الظروف ومهما كانت مصالح الأطراف الأخرى”(المادة الأولى منه) كما أوجب في المادة الثانية والرابعة بشكل صريح على الجهات المختصة حماية مصالح الطفل، وأن تكون لحماية الطفل ومصالحه الفضلى الأولوية في كافة القرارات والإجراءات التي تتخذ بشأنه.
ويمكن تعريف مبدأ مصلحة الطفل الفضلى بأنه: “إعطاء رعاية مصلحة الطفل الأولوية والأفضلية عند اتخاذ أو تقرير أي تدبير أو اجراء أو قرار أو تشريع يخص الطفل”. وبهذا تكون مصلحة الطفل هي الفضلى والمقدمة على غيرها من المصالح واجبة الرعاية سواء عند التشريع أو اتخاذ القرارات أو إطلاق البرامج والمبادرات امام القضاء والجهات المختصة. وفي هذا يجب عدم التمييز بين الاطفال على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة أو لاي سبب اخر فجميع الأطفال لهم أولوية على غيرهم في تحقيق مصلحتهم حماية لحقهم الأصيل بالحياة والبقاء والنمو.
ويعتبر مبدأ المصالح الفضلى للطفل معيارا تشريعيا تتبناه الدول في قوانينها الداخلية، ويعتبر حقا للطفل ويسترشد به بكافة الإجراءات الرعوية والقانونية والقضائية التي قد تمس الطفل أو تؤثر على مصلحته، الا إنه له ضوابط ومحددات اجتماعية وقانونية وثقافية محلية، فلا يطبق كيفما كان ودون ضوابط، إذ لا بد من أن يكون تطبيق هذا المبدأ مبني على كم من المعلومات الدقيقة المتعلقة بالطفل مع ضمان الحفاظ على سريتها، لتكون هذه المعلومات والبيانات أساسا في اتخاذ القرارات ذات الصلة واساسا للتخطيط وتخصيص الموارد وتنفيذ المشاريع والمبادرات والمتابعة وتطوير الأنظمة والتشريعات ومراعاة الجنس ودرجة نضج الطفل. إضافة الى ضرورة الموازنة بين مختلف المصالح والقيم والحاجات في حياة الطفل كوجوب العمل على الحفاظ على تماسك الاسرة والالتزام بالقيم الدينية والثقافية والاجتماعية الموروثة، فما يصلح في مجتمع أو زمان لا يصلح في مجتمع اخر أو زمان اخر ولا بد من مراعاة هذه الفروق والظروف عند تطبيق هذا المبدأ، خاصة أن هذا المبدأ يتعلق بذاتية وشخصية الطفل ويتأثر بها.
نجد أن قانون وديمة كرس هذا المبدأ ووضع له تعريفا وحدودا عامة تتغير وفق المصلحة وحاجة الطفل وجعل مصلحة الطفل فوق كل اعتبار ضمن الضوابط القانونية والدينية والاجتماعية، وأوجب أن تكون القرارات أو التدابير منسجمة مع هذا المبدأ وان تبين العناصر والمعايير التي تخدم مصالح الطفل عند اتخاذ القرار أو التدبير سواء كانت تتعلق بحالة عامة أو حالة فردية، وقد وضع قانون “وديمة” خصوصية المجتمع العربي الإماراتي نصب عينيه، فأكد على حقوق ومسؤوليات من يقوم برعاية الطفل، وضرورة تنشئة الطفل على التحلي بالأخلاق الفاضلة خاصة احترام الوالدين ومحيطه العائلي والاجتماعي، وضرورة تنشئته على التمسك بعقيدته الإسلامية والاعتزاز بهويته الوطنية واعترف بحق الوالدين ومن في حكمهم في تأديب الطفل وفق المتعارف عليه قانونا وشرعا، أي لم يترك مبدأ مصلحة الطفل الفضلى على اطلاقه، وإنما فعله وفقا لبيئة وضوابط المجتمع العربي الإماراتي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى