الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان”، طيّب الله ثراه، أحد رجال التاريخ العظماء، هو المؤسس والوالد الحنون ورجل الدولة وحكيم الأمّة تحلَّى بصفات جميلة جمَّة، جعلته الأب الحنون لشعبه، والقائد الاستثنائي لوطنه، والزعيم العربي والإسلامي والعالمي، والفارس الشهم والإنسان النبيل الأصيل، والأسوة والقدوة الحسنة في شمائله وصفاته، تربّع على كلّ القلوب محبَّةً وتقديراً وتوقيرا، فأحبه القاصي والداني، وملك العقول بحكمته وبساطته وتواضعه، فاعترف بفضله القريب والبعيد.
إن سيرة الشيخ زايد، رحمه الله، ليست سيرة عابرة أو سيرة عاديّة، إنها سيرة رجلٍ بأمَّة، سيرة تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، نستضيء بإشراقاتها وأنوارها، فهي شموس منيرة ساطعة متألقة لا تغيب، فهو مؤسس دولة الإمارات، وباني نهضتها، وهو موسوعة خيرٍ في أخلاقه وشمائله التي يتوّجها التواضع، والكرم، والرفق، والصبر، والشجاعة، والحكمة، والرؤية الثاقبة، وقوة العزيمة، والعمل المثمر دون كلل أو ملل.
واجه الصعوبات والتحديات والعقبات الكبيرة الكثيرة… وتغلّب عليها بعزيمة لا تلين ليصنع تاريخاً جديداً مجيداً، أنشأ دولة موحّدة في ظروف قاسية غيَّرت حياة القاطنين فيها، ونقلتهم في إنجاز يشبه الإعجاز من الفقر المدقع إلى قمة العيش الرغيد بزمن قياسي، ومن الضعف إلى القوة والعزة، حتى أصبح لهم شأن رفيع بين كلّ الأمم والشعوب، يجدون الاحترام والتقدير أينما حلوا وارتحلوا، ويُضرب المثل بدولتهم في التقدم والتطوّر والازدهار، وبقيادتهم في الحكمة والطيبة والعطاء والخير، وبشعبهم في الأصالة والسمعة السامية.
تعامل الشيخ الراحل رحمه الله مع شعبه على أنهم كأفراد أسرته يرعاهم ويحبهم ويحرص على سعادتهم وراحتهم واعتبرهم الثروة الحقيقية وسخر الثروة المادية التي حباها الله للإمارات واستثمرها لسعادتهم ورفاههم وصدح نثراً وشعراً في حبهم قائلا لهم: “راحتي في راحتكم وسعادتي في إسعادكم” فتوالت الإنجازات على يديه في جميع المجالات وخاصة التعليمية والصحية والعمرانية لينعم المواطن والمقيم في ظلها بحياة هانئة رغيدة… وفتح عقله وقلبه وأبوابه من خلال سياسة الأبواب المفتوحة بين الأب وأبنائه من كل المواطنين… لكل أفراد شعبه على مدار الساعة قائلاً رحمه الله: «إن بابي مفتوح دائماً، وهذه سياستنا، وكل واحد يستطيع أن يأتي ويجلس، ويتكلم بمنتهى الصراحة والحرية.. إن كل أفراد الشعب يعرفون أنهم يستطيعون مقابلة زايد في أية لحظة».
ركّز جُلّ اهتمامه رحمه الله بفئة الشباب وأولاهم عنايته ورعايته، فهم عماد الوطن عنده، والأمل والحاضر والمستقبل المشرق، وفتح لهم أبواب العلم والعمل، وحثّهم على التسلّح بالأخلاق والقيم، قائلاً:) إن بناء الشباب على أسس من العلم والدين والأخلاق والمثل العليا هو ضرورة وطنيــــة، للحفاظ على تقدم وطننا وأمنه وازدهاره (.
كما حرص على تعميق جذور الولاء والانتماء للأرض، وغرس القيم الوطنية الأصيلة والحفاظ والمحافظة على العادات والتقاليد النبيلة والتذكير على الدوام بسيرة الآباء والأجداد… وبناء مجتمع البنيان المرصوص … مجتمع التكاتف والتلاحم والتعاون… وجعل مصلحة الوطن العليا فوق أي اعتبار… ودعا إلى نبذ الفرقة والاختلاف… وعمل على قيادة سفينة الوطن الواحد الموحّد بحكمة وحزم وعزيمة للوصول إلى بر الأمان وشواطئ السلام…
وأسس الشيخ زايد رحمه الله علاقات الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل، فاحتلت دولة الإمارات مكانة مرموقة بين جميع الدول، ويكفي أن تقول أنا إماراتي أو أن تبرز جواز سفر الإمارات لتجد الحب والاحترام في كل قارات الدنيا.
لقد حمل الشيخ الراحل هموم الوطن والأمة بل والإنسانية في عقله وقلبه ووجدانه، وعمل على نشر قيم التسامح والوسطية والاعتدال… وحذّر من التطرف والإرهاب …وأوضح رسالة الإسلام وبيّن قولا وعملاً أنها رسالة الحب والسلام والتسامح وقال لممثلي الدول من السفراء كلماته الخالدة: «إنَّ جُلَّ اهتمامي أن أنقل إليكم ما في ضميري عن الإسلام ورسالته الخالدة، لأن الغرب يستمع إلى أصوات الفاسقين ويظن أنهم يمثلون الإسلام، هؤلاء المتطرفون هم أبعد ما يكونون عن الإسلام. نريد أن تعرفوا الإسلام على حقيقته، المسلم من سَلِم الناس من شره»، ولذلك اعتبرَ أنّ مواجهة الإرهاب ضرورة لحماية الدين والناس من شر الإرهابيين، قائلاً: «يجب مواجهة الإرهاب بكافة صوره بكل حزم”.
وأما مواقفه الإنسانية – رحمه الله – فهي بحر زاخر غزير، وقدوةٌ في عمل الخير وخير العمل… وقول الصدق وصدق القول …ومدّ يد العون والمساعدة والإحسان إلى الناس كل الناس، مساهماً في كثير من المشاريع الكبرى لخدمة أشقائه العرب، حريصاً على إغاثة المحتاجين في شتى الدول والأصقاع، ومع أياديه البيضاء الممدودة في كل مكان نجد أن من خصاله البارزة خصلة التواضع وعدم التفاخر قائلاً: «نحن لا نتحدث عمّا نقدم»، معتبراً أن الدنيا مزرعة لعمل الخير ونيل رضا الله تعالى، قائلاً: «إيماننا بالبعث والحساب يتولّد عنه اليقين بأن هذه الحياة ليست إلا مزرعة للحياة الأخرى، فمن أحسن في الأولى ضمن الفوز في الثانية”.
رحم الوالد المؤسس الشيخ زايد الخير… وطيّب ثراه …وجعل الفردوس في أعلى الجنان مثواه …فقد رحل الجسد الطاهر ولكن الروح الطاهرة والرؤى الخالدة تعيش وتسكن فينا جميعا وفي كل محبٍّ للخير … وتعيش في أبهى صورها في الأبناء والإخوة في شيوخنا الكرماء الذين واصلوا حمل راية العز والمجد والفخار … وهم يقودون سفينة الوطن باقتدار …ويرفعون راية الوطن والانتصار… عالية ترفرف خفّاقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.