المقامة (الخبازية)

بقلم : محمد عوض الجشي

كنت حائزاً على سيارة قديمة لكنها والحمد لله سليمة لا تعرف (التقطيش) ولا تحتاج الى (دفيش) موديلها قديم لكن (موتورها )(دويم) وفي أحد أيام الجمع أسرعت بالسيارة صوب أحد الأفران لشراء الجبنة والزعتر والتي تعرف (بالمناقيش) وتٌطوي (كالسندويش).

فسبحان الله حين نمسي ونصبح وله الحمد في السموات والأرض وحين نٌسبحْ وما أن وصلت الى الفرن المعهود وتيقنت أن الخباز موجود حتى توقفت السيارة وتسمرت بمكانها، لا تريد الحراك أو الفكاك بدأت أبحث عن ميكانيكي او كهربائي واخشى من نفاد الوقود

حاولت عبثاً لكن محاولاتي باءت بالفشل ولحسن الحظ توقفت السيارة في مكان مأمون وركنت (كعريس مزيون) مشيت مهلاً وصدحت سهلاً وإذ أرى محل ( لصناعة المفاتيــح ) انه ( بنشرجي) ويبدو ماهرٌ ( ّصليح) وأفاد انه (ميكانيكي وكهربائي ممتاز) ( لا يعيقه تاسك Task )وإن بدى نشاز..

هاهو يقبع في ( المحل) ظننته صاعداً (تَلْ) نظرت صوبه إذ رأيته يغفو وتارة عيناه ترنو فاذا ما أحس بمار أمام المحل حتى يفتح عينيه ( ويبعد الذباب الذي تطاير حول الباب)- وما أن فرغ للتو من تصليح (دولاب) حتى أخبرته بعلة السيارة في الحال دون إطالة أو انفعال، فأعلمني أن ( الدينمو) (قد حانت ساعتة) وذهب في غفوة سحيقة وغار في سبات عميق ) (والله أعلم متى سيفيق) ثم أردف قائلاً: يجب تغييره ولا مناص من الإصلاح .(خلص – خلاص) – هيا إذهب واشترى النوع التجاري فهو أرخص ويفي بالمطلوب وإن تعطل أو ترنح لا تأسى على ثمنه أو صنيعه ولا ضير عليك اسرع الى مكائن (السكراب) وهناك سترى العجب العجاب !

أخذت بالمشورة وتملكتني الحيرة ثم ناولته مفتاح السيارة وأردفت قائلاً على أن أبحث عن محل لشراء الدينمو (التجاري)- وإذ يخبرني البائع (السكرابي) هاك الدينمو (خاص للسيارة) هاها لست مسؤولاً عن أية خسارة- أخذتني الحيرة والارتباك ثانية وعجبت من هذه (الإثارة) ثم توليت مسرعاً أبحث عن محلات (السكراب) الأخرى ..ها قد تم شراء الدينمو (السكرابي) وأحضر الى ( المدعي الكهربائي ) فوجئ باختلاف القـاعدة ويجب إعادتها في الحال دون تأخير وقبل (الزوال) إذ (تفتقت أفكار (السكرابنجي) بضرورة إحضار (الدينمو المعطل ) كي يتمعن في شكله ويختار على شاكلته وتمت المعاينة دون مساءلة -) والحمد لله جاءت القاعدة مطابقه تماماً كما هي – إلا أن ( لب الموضوع ) والذي (يذهب بالحَلم) ) هو المبلغ الذي طلبه (الميكانيكي البنشرجي) التي تساوت مع ثمن شراء (دينيمو أصلي) وغدا مشدوهاً مفاخراً بصنعته حتى خيل الي أنني أمام طبيب جراح ماهر حاذق (ولماح) أو الحائز على دبلوم الزمالة الملكية بتفوق ونجاح.

لحظات أدرت محرك السيارة التي زادت تقطيشاً (وتدفيشا ) خاصة إذا ما ضغطت على دواسة البنزين وإذ أراني أعرض (العلة) على ميكانيكي آخر مجاوراً أفاد بتبديل فلتر البنزين – إلا أن المعضلة بقيت على حالتها ثم عرضت (المشكلة ) على ميكانيكي آخرمٌفنداً أقواله أن لا بد من تغيير ( الكاربريتر) فبعد أن سكب (ماء) أشبه بالدواء فجأة ومن دون سابق إنذار عاودت السيارة الى التقطيع المتماوج وكأنها تطلب الإجارة وتستغيث كي تستريح ..أرجعت السيارة الى (الميكانيكي البنشرجي الحاذق) وأخبرته بالعلة – أجاب بإطناب تلك مرحلة عابرة وبعدها تسير وتنساب مزهوة عابرة… ( إنها عملية (روداج Rodage بضع كيلومترات ، وسترى الفرق دون إنزعاج).

فجأة تسمرت السيارة لا تريد الحراك أو الفكاك فاستطعت دفعها ومجموعة المارة الى مكان آمن حتى فحصها ميكانيكي ثالث ..ورابع دون جدوى وقبعت السيارة بمكانها (كالخٌشب المسندة الباهتة)

وعدت أدراجي الى (البنشرجي الميكانيكي ) وإذا به (يتفلسف) قائلاً ، يجب استبدال (الكاربريتر) وستنطلق (العربة) أسرع من الحصان عندها لم أتمالك غيظي وخرج كلماتي غاضبة أنت لم تعِ الصنعة وما هذا الهراء وفقاقيع الهواء خسرت مالي دون مقابل وضاع وقتي جٌزافاً .

نظر الي مشدوها متمتماً.. وأردفت قائلاً : (راغبٌ عن تبديل تواير) ومضيت في طريقي وأنا أتأفف من ( أشباه الميكانيكيين الثلاث وعلى رأسهم (الميكانيكي البنشرجي) واحسبهم يتخبطون في صنيعهم الرديء وهتفت لا شعورياً بأعلى صوتي .. ياعالم يا ناس .يا هـــو وووووو (أعطوا الخبز لخبازه لو أكل نصفه).