“طموح زايد”.. مهمة تجاوزت حدود المستحيل

بقلم: سالم حميد المري - مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء

 

في 25 سبتمبر 2019، تحقق حلم زايد وطموحه، حيث انطلق هزاع المنصوري، مدير مكتب رواد الفضاء في مركز محمد بن راشد للفضاء، وأحد أعضاء الدفعة الأولى لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء، في مهمة تجاوزت حدود المستحيل. انطلق من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان على متن المركبة الفضائية “سويوز إم إس-15″، نحو محطة الفضاء الدولية، تحت أعين دولة الإمارات والعالم بأسره. وكانت تلك اللحظة تذكيراً لنا بأن السماء لم تعد هي الحدود.

لم تكن “طموح زايد” مجرد مهمة فضائية؛ بل كانت تجسيداً لرؤية والدنا المؤسس، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي آمن بأن شعب هذه الأرض سيصل يوماً ما إلى الفضاء. ومن خلال مهمة هزاع المنصوري، تحول هذا الحلم إلى واقع، لتثبت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها لا تعرف المستحيل.

إلهام الأجيال القادمة

حظيت مهمة هزاع المنصوري على متن محطة الفضاء الدولية باهتمام واسع من الشباب العربي والإماراتي، إذ أجرى العديد من التجارب العلمية التي تعود بالفائدة على البشرية، ملهمًا الكثيرين منهم لإدراك أن أحلامهم يمكن أن تتجاوز النجوم. من خلال لقاءاته المباشرة مع الطلاب على الأرض، حيث كان يشاركهم تفاصيل روتينه اليومي وتجاربه العلمية في الفضاء، ما جعل استكشاف الفضاء يبدو تجربة ملموسة وواقعية، تفتح الأفق أمام كل شاب يمتلك الإرادة والإصرار.

من محطة الفضاء الدولية إلى القمر وما بعده

بينما نتطلع نحو المستقبل، يظل طموح زايد بلا حدود. اليوم، بعد خمس سنوات من المهمة التاريخية لهزاع المنصوري، نحن على أعتاب تحديات أكبر. فقد شكلت مهمة هزاع الأساس الذي تمكنا من خلاله من تطوير طاقم رواد الفضاء الإماراتي، وطموحات أمتنا تستمر في النمو والتوسع. فقد أتم رائد الفضاء معالي الدكتور سلطان النيادي، الذي كان أيضاً من الدفعة الأولى لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء، أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، كما أجرى أول مهمة سير في الفضاء خلال وجوده في محطة الفضاء الدولية. في الوقت ذاته، تخرج رائدا الفضاء نورا المطروشي ومحمد الملا، أعضاء الدفعة الثانية لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء، في برنامج ناسا لرواد الفضاء، وهما الآن مستعدان لخوض مهمات فضائية.

لم تتوقف طموحاتنا عند هذا الحد، لذلك انضمت دولة الإمارات في مطلع العام الجاري إلى مشروع تطوير محطة الفضاء القمرية، من خلال بناء “بوابة الإمارات”، وهو المشروع الذي يمهد الطريق أمام دولة الإمارات لإرسال أول رائد فضاء عربي إلى سطح القمر، وهو مسعى يعزز مكانة الإمارات عالميًا في مجال استكشاف الفضاء.

مع كل مهمة جديدة، نواصل البناء على إرث ورؤية زايد. إن برنامج الإمارات الوطني للفضاء ليس مجرد مسعى للاستكشاف، بل هو منصة تمهد الطريق للجيل القادم من المستكشفين والعلماء والمهندسين الذين سيتابعون هذه المسيرة الرائعة ويحققون أحلامهم في الفضاء.

التعاون أساس النجاح المستدام

لقد أكدت مهمة “طموح زايد” على أن استكشاف الفضاء يحتاج إلى تكاتف الجهود العالمية، حيث تجسدت قوة الشراكات الدولية خلال هذه المهمة؛ بداية من تدريب رائد الفضاء هزاع المنصوري في روسيا، وصولًا إلى تعاونه مع رواد فضاء ناسا على متن محطة الفضاء الدولية. لم تكن هذه المهمة انتصاراً لرجل واحد أو أمة واحدة، بل للبشرية جمعاء. ومن خلال هذه الشراكات، سنواصل تحقيق المزيد من الإنجازات في مجال استكشاف الفضاء.
وبينما نستعد لخوض مهام على سطح القمر في المستقبل، ندرك أن جهود التعاون الدولي ستقودنا نحو مستقبل أكثر إشراقاً. معاً، نُشكّل نظاماً يحتضن الابتكار والتعليم والاكتشاف لفائدة الجميع.

رؤية للأجيال القادمة

بينما نحتفل بذكرى أول مهمة فضائية بشرية لدولة الإمارات والعالم العربي على متن محطة الفضاء الدولية، تبقى أعيننا متوجهة نحو المستقبل. كانت مهمة هزاع هي الشرارة التي أشعلت عصرًا جديدًا من استكشاف الفضاء لعالمنا، فهي تجسيد للطموح والإصرار والفرص اللامحدودة.

كانت “طموح زايد” هي البداية، ولكنها لم تكن أبدًا النهاية. فمن خلال مهام مثل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، ومشروع الإمارات لاستكشاف القمر، وتطوير “بوابة الإمارات” في محطة الفضاء القمرية، بالإضافة إلى برنامج الإمارات لرواد الفضاء، وتعاونا مع وكالات الفضاء الدولية، لا تكتفي الإمارات بالمشاركة في قطاع الفضاء العالمي، بل تساهم في قيادته.

سنواصل مسيرة الاستكشاف بدعم قيادتنا الرشيدة ورؤيتهم المستنيرة، وبفضل جهود وتفاني رواد الفضاء الإماراتيين، وبإصرار وطموحات شعبنا، لنُشكل مستقبلاً يُكتب فيه اسم دولة الإمارات العربية المتحدة بين النجوم.