مرئيات

المعرفة والتقبل بوابات العبور

بقلم / د. ولاء قاسم

الأمومة والأبوة دافع فطري يتربع على عرش الدوافع الإنسانية ، دافع يشترك فيه كل البشر ومبرمج في أعماقنا بيولوجياً. لا يتطلب إلا الحد الأدنى من التجربة ولا يتأثر إلا بالحدود الدنيا من مؤثرات البيئة ، كما أنه يعتبر أكثر السلوكيات تقديراً من الناحية الاجتماعية حيث أن حسن تربية الأبناء وإعالتهم يشكلان أحد معايير الأهلية الاجتماعية .

ويشكل استعداد الأمهات والأباء لتعريض حياتهم للخطر في سبيل الحفاظ على حياة الصغار أحد أبرز دوافع تعريض الإنسان حياته لخطر الهلاك في مختلف أشكال المعارك والمجابهات حتى غير المتكافئة منها .

وبما أن الحب الوالِدي دافع غريزي وفطري فإن تقصير الأباء في تربية أطفالهم لا ينبع من فقدان الحب بل يُعبر عن نقصٍ في المعلومات والمهارات التربوية ،
” قصورٌ في المعرفة ” والحب يكون خواءً إذا لم يسترشد بقاعدة معرفية سليمة .

نحن مجتمعاتٌ تفتقر الى التعليم المنهجي حول أسس التربية ونعتمد على آلية التجربة والخطأ التي قد يحالفك الحظ فيها

أحياناً ويجافيك في أحيان أخرى ، أو نستند إلى أن معلومات مغلوطة التي توارثناها وذلك أخطر من نقص المعلومات لأن الشق الأصعب في تعلم المهارات هو تجاهل أو تصحيح الطرق القديمة التي تبرمجت في التفكير وتحولت إلى عادات سلوكية .

التربية عملية شاملة تتطلب الوعي العميق والمرونة والقدرة على تخطي الذات وأزماتها ومآزقها عبوراً الى قلب طفلك الذي يشكل كينونة فريدة في بداية تفتحها على الدنيا . فلّبُ مشوارك التربوي يقوم على تجاوز تجاربك الشخصية والبحث عن المعرفة لكي تنير دهاليز عقلك وتعينك على كسر سلسلة الماضي بأنماطه المؤذية ، فالخطر يمكن في أن يتحول أطفالك بسنابل توقفت عن الإنبات .

عندما تنجب يقع على عاتقك أن تبني كياناً معرضا لقوى الطبيعة ومعرضاً لنوائب ونوازل الحياة ، وصلابة ذلك الكيان وقوته تعتمد على طريقتك لتشكيل أبناءك وغرس القيم وصياغة السلوك ونمية القدرة على اتخاذ القرارات لمجابهة تحديات الحياة.

لذا فإن مفتاح الجدارة الوالدية هو “أنت ” لا يمكنك بناء اطفالك إلا بعد أن تصحح ذاتك وتتخلص من عُقدك وصراعاتك النفسية التي بقيت حبيساً في زنزانتها عُمراً ، إذا كنت قد تعرضت للاستغلال أو الإهمال العاطفي أو تركتَ حياتك رهينة عند آخرين يديرونها نيابة عنك فمن المؤكد أن تلك الذكريات مطبوعة بداخلك وسوف تنتقل الى أطفالك وستكون تربية أطفال سعداء تحدياً كبيراً بالنسبة لك، فالسعادة ليست جينات يولد بها الطفل بل هي نتاج تربية علمته كيف يُفكر ويتفاعل ويتحكم بمشاعره ويعبر عن نفسه ويحيا بسعادة .

يشكل التقبل والحاجة الى الانتماء المطلب الأول لتكوين الرابطة الأُسرية .في مجتمع يسعى لفرض القوالب النمطية رغم أن العالم يزخر بالتنوع لابد أن نُعلم أطفالنا قيمة الأصالة في التعبير عن الذات ونفتح قلوبنا لاستقبال الاختلاف واحتضانه فأطفالنا جاءوا لهذه الدنيا ليعيشوا تجربتهم الخاصة وليس ليحققوا أحلامنا ويجسدوا طموحاتنا التي أخفقنا في تحقيقها .

عندما نُظهر لأبنائنا أننا نحبهم كما هم، نصير لهم بمثابة الفضاء الآمن الذي يُتيح لهم استكشاف أنفسهم دون خوف من الحكم أو الفشل. وفي تلك المساحة من الاحترام يكون كل اختلاف هو فرصة لنموهم، وكل تجربة فريدة تُثريهم وتُغني تجاربهم.

لذلك فمن المهم أن تعرف حقيقة طفلك وتسمح له أن يكون ذاته ولا يتم ذلك الا عندما تفتح الباب على مصراعيه أمامه ليختبر الحياة بتجاربها المختلفة كالرياضة والفن الموسيقى والعلوم والتكنولوجيا والقيادة والآداب والسفر وذلك يتطلب منك عقلا متفتحا يقبل التجارب على اختلافها إذا وجد الطفل ذاته فيها ، حتى وإن لم تكن على هواك أو توافق ميولك بل تحرص على أن تتابعه في مساحة التعلم والتجربة ومن ثم العواقب لأن ذلك يعينه على بناء مساراته الخاصة دون ضغط أو توقعات مسبقة .

فليكن التقبل خيوط من الثقة والحب اللامشروط ننسجها في ثوب طفولتهم ، فكل جهد يبذل في سبيل بناء شخصية قوية ومستقلة لطفلك هو بمثابة بذرة تُزرع لتزهر في قادم الأيام منيرة دروبه ومعززة لوجوده .

وتذكر أن “أطفالنا رسالة نبعث بها الى المستقبل الذي قد لا تتاح لنا الفرصة لنعيشه ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى