تنقسم دول العالم كافه من حيث الواقع السكاني الى واقعين، الواقع الأول هو واقع المدينة والذي تكون فيه حياة العصرنة والصناعات وتتواجد فيه الطرقات المعبدة والمصانع والمعامل الكبيرة اضافه الى الجامعات والمعاهد الحكومية وكذلك الأسواق الكبيرة العامة التي تتوفر فيها كل احتياجات السكان لتلك المدن وتكون عادة تلك المدن كبيرة من حيث عدد السكان ومن حيث بناء المنازل وتتوفر فيها كل الخدمات البلدية اللازمة…
أما الواقع الثاني فهو واقع الريف الذي تجد فيه الأراضي الواسعة المعدة للزراعة وتربية الحيوانات وتجد فيه وحدات إدارية صغيرة كالقرى والنواحي التي تكون عدد البيوت فيها محدودة وربما تجد أحياناً أن سكان القرية من عشيرة واحدة وينتمون الى شخص واحد…
كان أبناء الريف في السابق يقومون بزراعة المحاصيل الزراعية في أراضيهم الزراعية والتي تعتبر الغذاء الرئيسي لهم اضافة الى مايحصلون عليه من مشتقات الألبان التي يحصلون عليها من خلال تربيتهم للمواشي كالأغنام والأبقار والجاموس ويقومون ببيع الفائض من كل هذه المحاصيل والمنتجات الغذائية في الأسواق العامة في المدن…
وربما مع مرور الوقت تطورت الأمور واختلفت الموازين المعيشية وأصبحت الريف بل أن قسم من الوحدات الإدارية وخاصة النواحي قد وصلت الى حد نظام المدينة بسبب الكثافة السكانية الموجودة في العراق وكذلك بسبب وصول العصرنة التكنولوجية الى ابعد نقطة موجودة في القرى والأرياف ومع هذه العصرنة الحديثة فقد اختفت الكثير من العادات والتقاليد التي كانت موجودو قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن لأن الجميع اليوم مشغول بعالم الإلكترونيات وعالم الحاسوب والموبايل بعد أن وصلت ثورة الإنترنت بكل مفرداتها الى أبناء الريف أسوة بأبناء المدينة…
ولكن الملفت للنظر والمفرح جداً أن أغلب أبناء الريف اليوم قد وصلت لديهم حالة التشبع من وسائل التكنولوجيا الحديثة وأصبحوا يبحثون عن البدائل وأصبحت لديهم روح الحنان الى ماضي آباءهم وأجدادهم فتجد اليوم أغلب المنشورات والمواضيع على مواقع التواصل الاجتماعي سواء في الفيس بوك وغيره من المواقع الإلكترونيّة تتكلم عن العادات والتقاليد التي كان يعيشها الأجداد وعن الطرق البدائية وعن دور الطين وعن الحصاد وطرقة القديمة وأدواته البسيطة كالمنجل وغيرها انتقالاً الى البيدر والجرجر ومذراة الخشب وكيف كانت تستطيع العائلة جمع قوتها من محاصيلها الزراعية ثم تقوم ببيع الفائض منه لشراء اللوازم الأساسية ومتطلبات الحياة الضرورية لأن الحياة كانت تصبح شبه معدومة خاصة في فصل الشتاء في القرى والأرياف وذلك لصعوبة التنقل بين الناس…
اليوم نفرح كثيراً عندما نرى ونحضر أحد المناقشات لطلبة الشهادات العليا وتكون موضوع الأطروحة عن الريف العراقي وعن الأدوات القديمة التي كان يستخدمها أجدادنا وأبائنا الفلاحين وكذلك عن حياة تلك القرية الطينية التي كانت شبه معزولة عن العالم الخارجي وعن حياة وتقاليد تلك العائلة والألفة والمحبة التي كانت موجوده بينهم والتي ربما ضعفت بعض الشيء في وقتنا الحاضر…
نعم لقد كان للريف دوره المحدود في إنتاج المحاصيل الزراعية فقط بعيداً عن العالم الوظيفي الإداري ولكن ابناء الريف اليوم أصبح لهم الدور الواسع وخاصة أن أغلبهم يتنافسون على مقاعد الدراسة اسوة بابن المدينة وكذلك اصبح القطاع التجاري نشط جداً لوجود الأسواق الكبيرة هناك اضافه الى الطرق المعبدة وحتى في مجال القطاع الزراعي فقد أصبحت الوسائل التكنولوجية الحديثة من المكائن لها الدور البارز في عمليه الزراعة وعمليه حصاد المنتوج كالمرشات الزراعية والحاصدات ومكائن الحراثة الأخرى…
إن الحفاظ على التراث الريفي يعني بحد ذاته هو الحفاظ على الأصالة وعلى التاريخ والحضارة بكل مفرداتها لأن أي بلد لم يكن لديه ماضي فان حاضره سوف يبقى ضعيف جداً وربما يكون مستقبله مبهم…
نشجع دوماً الشباب الواعي الذين ما زالوا متمسكين بماضي أهاليهم حتى وإن كان ذلك عبر مشاركاتهم البسيطة بكتابة بعض الأسطر ونشرها للعالم على مواقع التواصل الاجتماعي لفائدة الجميع منها…